للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قصة طالوت وجالوت في التوراة]

يقول القاسمي رحمه الله تعالى: هذه القصة مسوقة في الإصحاح السابع عشر من سفر صاموئيل الأول، ولا حرج في تلاوة هذه الإسرائيليات التي تكون موافقة لما عندنا، جاء في هذا السفر في التوراة: وجمع الفلسطينيون جيوشهم للحرب، فاجتمعوا في (سوكاه) التي ليهوذا ونزلوا بين (سوكيا) و (هريقاء) في (آكفيدميل)، واجتمع شاءول ورجال إسرائيل ونزلوا في وادي البطن، واصطفوا للقاء الفلسطينيين، وكان الفلسطينيون وقوفاً على جبل من هنا، وإسرائيل وقوفاً على جبل من هناك، والوادي بينهم، فخرج مبارز من جيوش الفلسطينيين اسمه جليات من (جتا)، طوله ستة أذرع وشبر -يعني: ثلاثة أمتار تقريباً؛ لذلك كانوا يسمون العماليق- وعلى رأسه خوذة من نحاس، وكان لابساً درعاً وزنه خمسة آلاف شاقل، وجرموق نحاس، ورمحه ستمائة شاقل حديد، وحامل الترس كان يمشي قدامه، فوقف ونادى صفوف إسرائيل وقال لهم: لماذا تخرجون لتصطفوا للحرب، أما أنا الفلسطيني وأنتم عبيد لـ شاءول؟ اختاروا لأنفسكم رجلاً ولينزل إليّ، فإن قدر أن يحاربني ويقتلني نصير لكم عبيداً، وإن قدرت أنا عليه وقتلته تصيرون أنتم لنا عبيداً وتخدموننا، وقال الفلسطينيّ: أنا عيرت صفوف إسرائيل هذا اليوم، أعطوني رجلاً سنتحارب معاً -تلاحظون الفرق الشاسع بين أسلوب القرآن وبلاغته وبين هذا الكلام! وأنا أظن أن النسبة إلى فلسطين ليست فلسطيني، بل فلسطي- ولما سمع شاءول وجميع إسرائيل كلام الفلسطيني هذا ارتاعوا وخافوا جداً، وداود هو ابن ذلك الرجل الأفراتي من بيت لحم يهوذا الذي اسمه يفتى، وله ثمانية بنين، وقد شاق وكبر بين الناس، وذهب بنو يفتى الثلاثة الكبار، وتبعوا شاءول إلى الحرب، وأسماء بنيه الثلاثة الذين ذهبوا إلى الحرب: إليائاب -وهو البكر- وأبينا دابو وشمتو، وداود هو الصغير، والثلاثة الكبار ذهبوا وراء شاءول، وأما داود فكان يذهب ويرجع من شاءول ليرعى غنم أبيه في بيت لحم، وكان الفلسطيني يتقدم ويقف صباحاً ومساءً أربعين يوماً، وكان شاءول هو وجميع رجال إسرائيل في وادي البطن يحاربون الفلسطينيين، فبكَّر داود صباحاً وترك الغنم مع حارس، وحمل وذهب كما أمره يفتى إلى الجيش خارج إلى الحرب، واصطف الإسرائيليون والفلسطينيون صفاً مقابل صف، فقال رجل من إسرائيل: أرأيتم هذا الرجل الصاعد، ليعير إسرائيل، فيكون الرجل الذي يقتله يغنيه الملك، ويعطيه بنته، ويجعل بيت أبيه حراً في إسرائيل، فكلم داود الرجال الواقفين معه قائلاً: ماذا يفعل للرجل الذي يقتل ذلك الفلسطيني ويزيل العار عن إسرائيل؟ ومن هو هذا الفلسطيني الأغلف حتى يعير صفوف الله الحي؟ فكلمه الشعب مثل هذا الكلام قائلين: كذا يفعل بالرجل الذي يقتل، يعني: يثاب بكذا وكذا.

وسمع أخوه الأكبر إليائاب كلامه مع الرجال فحمي غضبه على داود وقال: لماذا نزلت؟ فقال داود: ماذا عملت الآن؟ أما هو كلام؟ -يعني: أنا ما شاركت في الحرب، وما خالفت كلام أبي، لكن أنا الآن أتكلم-، فتحول من عنده نحو آخر وتكلم بمثل هذا الكلام، فرد له الشعب جواباً كالجواب الأول، وسمع الكلام الذي تكلم به داود وأخبروا به أمام شاءول فاستحضره، فقال داود: عبدك يذهب ويحارب هذا الفلسطيني، فقال شاءول لداود: لا تستطيع أن تذهب إلى هذا الفلسطيني فهو رجل حرب منذ صباه، فقال داود لـ شاءول: كان عبدك يرعى لأبيه غنماً فجاء أسد مع دب -يعني: أراد أن يقيم له الدليل على أنه شجاع وأنه يستطيع القتال- وأخذ شاة من القطيع فذهبت وراءه، ولما قام عليّ أمسكته من ذقنه وضربته فقتلته، قتل عبدك الأسد والدب جميعاً، وهذا الفلسطيني الأغلف يكون لواحد منهما ليرى صفوف الله الحي، وقال داود: الرب الذي أنقذني من يد الأسد ومن يد الدب هو ينقذني من يد هذا الفلسطيني، فقال شاءول لداود: اذهب وليكن الرب معك.

وألبس شاءول داود ثيابه، وجعل خوذة من نحاس على رأسه، وألبسه درعاً، فتقلد داود ذلك ولم يكن من قبل قد جرب، فقال داود لـ شاءول: لا أقدر أن أمشي بهذه لأني لم أجربها، ونزعها داود عنه -أي: خلع الدرع، لأنه لا يستطيع أن يمشي بها- وأخذ عصاه، وانتقى له خمسة حجارة ملساء من الوادي، وجعلها في كنف الرعاء الذي له -أي: في الجراب-، ومقلاعه بيده، ليتقدم نحو الفلسطيني، ولما نظر الفلسطيني ورأى داود استحقره؛ لأنه كان غلاماً أشقر جميل المنظر، فقال الفلسطيني لداود: ألعلي أنا كلب حتى تأتي إليّ بعصا؟! ولعن الفلسطيني داود! وقال الفلسطيني لداود: تعال إليّ لأعطي لحمك لطيور السماء ووحوش البرية، فقال داود للفلسطيني: أنت تأتي إليّ بسيف وبرمح وبترس، وأنا آتي إليك باسم رب الجنود إله صفوف إسرائيل الذين عيرتهم، هذا اليوم يحبسك الرب في يدي، فأقتلك وأقطع رأسك وأعطي جثث جيش الفلسطينيين هذا اليوم لطيور السماء وحيوانات الأرض، فتعلم كل الأرض أنه يوجد إله لإسرائيل، وتعلم هذه الجماعات كلها أنه ليس بسيف ولا برمح يخلص الرب؛ لأن الحرب للرب وهو يدفعكم ليدنا، وكان لما قام الفلسطيني وذهب وتقدم للقاء داود أن داود أسرع وركض نحو الصف للقاء الفلسطيني، ومد داود يده إلى الكنف وأخرج منه حجراً، ورماه بالمقلاع وضرب الفلسطيني في جبهته، فارتز الحجر في جبهته، وسقط على وجهه إلى الأرض فتمكن داود من الفلسطيني بالمقلاع والحجر، وضرب الفلسطيني وقتله، ولم يكن سيف بيد داود، فركض داود ووقف على الفلسطيني وأخذ سيفه واخترطه من غمده -يعني أخذ سيف جالوت - وقطع به رأسه، فلما رأى الفلسطينيون أن جبارهم قد مات هربوا، فقام رجال إسرائيل ويهوذا وهتفوا ولحقوا الفلسطينيين إلى الوادي وحتى أبواب عقرون إلى آخر القصة.

تلاحظون الفرق الشاسع بين القرآن الكريم والتوراة، والقرآن لا يذكر كل هذه التفاصيل، ويكتفي بذكر موضع العبرة.