للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (والسماء وما بناها والأرض وما طحاها)]

قال تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا} [الشمس:٥ - ٦].

قوله: (وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا) يعني: والسماء ومن رفعها وهو الله سبحانه وتعالى، فيعبر بـ (ما) عن الله سبحانه وتعالى، كقوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [الكافرون:١ - ٥]، فكذلك هنا.

فقوله: (وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا) يعني: ومن بناها، أي: ومن رفعها وصيرها بما فيها من الكواكب كالسقف أو القبة المحكمة المزينة المحيطة بالأرض، وبناء السماء بناء في غاية الإتقان والإحكام، وهو دليل على قدرة الله تبارك وتعالى، فـ (ما) هنا موصولة بمعنى (من).

فالمقصود بقوله: (وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا) يعني: والقادر الذي أبدع خلقها، فعبر بما لأنها تدل على وصف الله عز وجل بأنه القادر على إبداع خلقها.

وقيل: إن (ما) هنا مصدرية، فيكون المعنى: والسماء وبنائها، يعني: الذي رفعها، فالسماء مرفوعة أصلاً، وفي اللغة كل ما علاك فهو سماء.

والحكمة من أن الله سبحانه وتعالى قال: (وَمَا بَنَاهَا) مع أنه لو قال: (والسماء) فقط لدل على ارتفاعها، أن في ذلك دلالة على إيجادها وموجدها صراحة، فالدلالة على إيجادها بمعنى أنها مخلوقة حادثة، والدلالة على موجدها صراحة، بمعنى: أن الله هو الذي بناها وهو الذي خلقها.

قوله: {وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا} أي: بسطها من كل جانب لافتراشها وازدراعها والضرب في أثنائها، وليس في ذلك دليل على أن الأرض غير كروية كما يزعم بعض الجاهلين بتحريفهم الكلم عن معناه المراد منه، فبعض الناس يظن أن معنى: (وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا) أنها غير كروية، لا، لكن الأرض لضخامة حجمها وسعتها، فهذا البسط فيها لا يلمح من قرب إنما يلمح بنوع من التأمل، وكروية الأرض حقيقة حسية لا تستنكر على الإطلاق، وليس فيها أي شيء غريب، ولا يوجد الآن أحد ممكن يقول: إن الأرض ليست كروية، لأن هذا شيء صعب جداً، وأدلة كروية الأرض كثيرة جداً، وأكبر دليل حسي على ذلك أن الناس الذين يخرجون للفضاء يصورونها كروية، وفي بعض رحلات الطيران تكون الطائرات محلقة في ارتفاع عال جداً، فيتضح تكور الأرض بصورة لا شك فيها.

ومن الأدلة كذلك أن راكب البحر يرى مركباً في الأفق، فلا يرى إلا مقدمه ثم إذا تقدم رآه كله.

فلا ينبغي الاستدلال بأن الله جعلها منبسطة، وجعلها مهاداً على أنها غير كروية، لكن لاتساعها لا يظهر هذا التكور إلا بما ذكرنا.