للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر)]

قال عز وجل: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ} [الضحى:٩]، لا تنهره على ماله، فتذهب بحقه استعطافاً منك له.

قوله تعالى: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} [الضحى:١٠].

قال ابن جرير: أي: وأما من سألك من ذي حاجة فلا تنهره، ولكن أطعمه واقض له حاجته؛ لأن للسائل حقاً كما قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج:٢٤ - ٢٥].

قوله تعالى: (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) نهره وانتهره إذا استقبله بكلام يزجره.

فالمسلم إما أن يعطي وإما أن يقول كلمة طيبة، كما قال الله تعالى: {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا} [الإسراء:٢٨]، فإذا أردت أن ترده ترده بكلمة طيبة، يقول الشاعر: لا خيل عندك تهديها ولا مال فليسعد النطق إن لم تسعد الحال يعني: أنفق الكلمات الطيبة التي لا تكلفك شيئاً.

وقال الله سبحانه وتعالى: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى} [البقرة:٢٦٣].

يعني: قد يلح السائل في السؤال فيحاول أن يحرج المسئول ويستفزه إذا أحس أنه لن يعطيه شيئاً، فقال الله سبحانه وتعالى: (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ) يعني: إما أن تقول قولاً معروفاً، وأيضاً مغفرة يعني: تتجاوز عما يحصل منه من الأذى أو الإلحاح أو الإحراج أو نحو ذلك، فلا ترد عليه إذا قال كلاماً لا ينبغي.

وقال إبراهيم بن أدهم: نعم القوم السؤّال يحملون زادنا إلى الآخرة.

يعني: لو كنت مسافراً من مكان إلى مكان بعيد ومعك الزاد والمتاع الثقيل فقال لك رجل: أنا أحمل عنك هذا المتاع وأوصله إلى المكان الذي تريده.

فهو يشبه السؤّال الذين يسألون الصدقات بعمال البريد، يعني: أنهم ينقلون لنا الزاد من الدنيا إلى الآخرة.

وقال إبراهيم النخعي رحمه الله تعالى: السائل بريد الآخرة، يجيء إلى باب أحدكم فيقول: هل تبعثون إلى أهليكم بشيء؟! يعني: هل تريد أن تبعث لوالدك أو لوالدتك أو لقريبك الذي مات بشيء؟! وقد ذهب الحسن فيما نقله الرازي عنه إلى أن المراد من السائل من يسأل العلم، فيكون في مقابلة قوله تعالى: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} [الضحى:٧]، يعني: كما أنك كنت غافلاً عن هذا القرآن، وعارياً من هذا العلم النبيل، ثم إن الله سبحانه وتعالى هداك إليه بالتعليم وبالهبة وبالوحي، فتقابل هذه النعمة بألا تنهر من يسألك أو يسترسل من علمك.

قال ابن كثير: أي: وكما كنت ضالاً فهداك الله، فلا تنهر السائل في العلم المسترشد.

ويؤيد هذا المعنى ما ورد في أحوال الذين كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم بيان ما يشتبه عليهم، فمنهم: أهل الكتاب الممارون، ومنهم: الأعراب الجفاة، ومنهم: من كان يسأل عما لا يسال عنه الأنبياء، فلا غرو أن يأمره الله تعالى بالرفق بهم، وينهاه عن نهرهم، كما عاتبه على التولي عن الأعمى السائل في سورة عبس.

وقال ابن العربي رحمه الله تعالى: وأما السائل عن الدين فجوابه فرض على العالم على الكفاية.

(وكان أبو الدرداء ينظر إلى أصحاب الحديث فيبسط رداءه لهم ويقول: مرحباً بأحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم).

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أنه كان إذا أتاه طلبة العلم يقول: مرحباً بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الناس لكم تبع، وإن رجالاً يأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون، فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيراً).