للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (فأما من ثقلت موازينه) إلى قوله: (نار حامية)]

قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [القارعة:٦ - ٧].

قال ابن جرير: أي: فأما من ثقلت موازين حسناته، يعني بالموازين: الوزن، والعرب تقول: لك عندي درهم بميزان درهمك، ويقولون: داري بميزان دارك، ووزن دارك يراد حذاء دارك.

قال الشاعر: قد كنتُ قبل لقائكم ذا مرة عندي لكلّ مخاصمٍ ميزانُهُ يعني: كلامه وما ينقض عليه حجته، وكان مجاهد يقول: ليس ميزان إنما هو مَثَل يُضرب.

وعليه: فهو كالموازين، جمع ميزان.

وجوز كونه جمع موزون، وهو العمل الذي له أثر ووزن عند الله تعالى، والأرجح المعنى الأول إثباتاً لحقيقة الميزان؛ لأن هذا من عقائد أهل السنة، وهي أننا نعتقد ثبوت الميزان، وأن هناك ميزان توزن فيه الأعمال، كما ثبت ذلك في الأحاديث، فكان لائقاً أن يشار إلى هذا الاعتقاد، لا أن يُحام حول هذه المعاني اللغوية بما يفهم في أنه لا يوجد ميزان حقيقي، بل هناك آيات أخرى مثل قوله تعالى: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف:١٠٥]، وقوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء:٤٧] ولولا الحرص على الاختصار لأفردنا ذلك ببحث مستقل نبين فيه الاعتقاد الصحيح في موزاين الأعمال.

قوله تعالى: {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [القارعة:٧]، أي: في عيشة قد رضيها في الجنة، راضية أي: مَرضيّة.

قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} [القارعة:٨]، أي: وزن حسناته، {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} [القارعة:٩]، أي: فمأواه ومسكنه الهاوية التي يأوي بها على رأسه في جهنم والعياذ بالله.

فسمّى المأوى أُمّاً على التشبيه تهكماً؛ لأن أم الولد مأواه ومستقره، وقيل: المراد أم رأسه، أي: يُطرح في النار منكوساً على رأسه والعياذ بالله، والأول هو الموافق لقوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة:١٠ - ١١]، يعني: مأواه ومسكنه الهاوية، يقذف فيها على رأسه والعياذ بالله في الجحيم.

قوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ} [القارعة:١٠]، أي: ما أدراك ما الهاوية؟ فقوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ}، أصلها: (وما أدراك ما هي) كناية عن الهاوية، فأدخلت فيها هاء السكت وقفاً، وتحذف وصلاً، وقد أجيز إخفاؤها مع الوصل.

وجواب هذا السؤال هو قوله: {نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة:١١].