للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كلام العلماء في جواز لبس النساء للذهب المحلق]

حكى الإجماع غير واحد على إباحة التحلي بالذهب المحلق للنساء، مثل الإمام الجصاص في أحكام القرآن، والكيا الهراسي، والبيهقي في السنن الكبرى، والنووي في المجموع، وابن حجر في فتح الباري، والهيتمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر، والسندي في حاشيته على سنن النسائي.

أما الجصاص فقال في تفسير قوله تعالى: ((أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ)) بعد أن ذكر حديث عائشة رضي الله عنها في منع الناس من الذهب، وحديث أبي هريرة في الوعيد على اتخاذ الخرص: الأخبار الواردة في إباحته للنساء عن النبي صلى الله عليه وسلم أظهر وأشهر من أخبار الحظر، ودلالة الآية ظاهرة في إباحته للنساء، وقد استفاض لبس الحلي للنساء من لدن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى يومنا هذا من غير نكير من أحد عليهن، ومثل هذا لا يعترض عليه بأخبار الآحاد.

ذكر القرطبي في تفسيره قول مجاهد: رخص للنساء في الذهب والحرير وقرأ هذه الآية، وقال الكيا الهراسي: فيه دلالة على إباحة الحلي للنساء، والإجماع منعقد عليه، والأخبار فيه لا تحصر.

وقال البيهيقي في السنن الكبرى بعدما أورد حديث أبي هريرة: (من أحب أن يحلق حبيبه حلقة من نار فليحلقه حلقة من ذهب) إلى آخره، وحديث أسماء: (أيما امرأة تقلدت قلادة من ذهب)، وحديث ثوبان في شأن بنت أبي هريرة: هذه الأخبار وما في معناها تدل على إباحة التحلي بالذهب للنساء، واستدللنا بحصول الإجماع على إباحته لهن، وعلى نسخ الأخبار الدالة على تحريمه لهن خاصة.

وهذه المسألة مثل الأحاديث التي تحصر تعدد الزوجات بأربع، فهي لا تخلو من كلام من حيث السند، لكن استدل العلماء على الحصر بأربع بانعقاد الإجماع، فهو يدل على وجود ناسخ للتعدد المطلق؛ وكذلك هنا استدل العلماء بالإجماع على وجود الناسخ؛ لأن الأمة معصومة في إجماعها من الضلال.

وقال الإمام النووي في المجموع: يجوز للنساء لبس الحرير والتحلي بالفضة والذهب للأحاديث الصحيحة، وقال أيضاً: أجمع المسلمون على أنه يجوز للنساء لبس أنواع الحلي من الفضة والذهب جميعاً كالطوق والعقد والخاتم والسوار والخلخال والتعاويذ والتمائم والقلائد وكل ما يتخذ في العنق وغيره، وكل ما يعتدن لبسه، ولا خلاف في شيء من هذا.

ونفس هذا الكلام ذكره الإمام ابن قدامة في المغني، وقال النووي في شرح صحيح مسلم في باب: تحريم خاتم الذهب على الرجال ونسخ ما كان من إباحته في أول الإسلام: أجمع المسلمون على إباحة خاتم الذهب للنساء.

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله في شرح حديث البراء: (نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن سبع: نهانا عن خاتم الذهب): النهي عن خاتم الذهب أو التختم به مختص بالرجال دون النساء، فقد نقل الإجماع على إباحته للنساء، وأيد الحافظ ابن حجر ذلك بما أخرجه ابن أبي شيبة من حديث عائشة رضي الله عنها: (أن النجاشي أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم حلية فيها خاتم من الذهب فأخذه وإنه لمعرض عنه، ثم دعا أمامة بنت بنته فقال: تحلي به).

وقال ابن حجر الهيتمي الفقيه في الكبيرة السادسة بعد المائة: تحلي الذكر البالغ العاقل بالذهب، يعني: لبس الرجل العاقل والبالغ الذهب من الكبائر، هذا من الكبائر، سواء خاتم أو غير خاتم، يقول: وأخرج ابن حبان في صحيحه: (ويل للنساء من الأحمرين: الذهب والمعصفر) وهو حديث صحيح، وفي الحديث: (أريت أني دخلت الجنة فإذا أعالي أهل الجنة فقراء المهاجرين وذراري المؤمنين، وإذا ليس فيها أحد أقل من الأغنياء والنساء، فقيل لي: أما الأغنياء فإنهم على الباب يحاسبون ويمحصون، وأما النساء فألهاهن الذهب والحرير)، يقول: وبه يعلم معنى قوله: (ويل للنساء) في الحديث قبله أي: أن هذين سبب للهوهن وإعراضهن عن الخير وليس المراد به ظاهره؛ لأنهما حلالان لهن إجماعاً.

وقال الإمام السندي في حاشيته على النسائي بعد أن حكى نقل النووي في شرح مسلم إجماع المسلمين على نسخ الأدلة القائلة بحظر خواتيم الذهب بحديث: (إن هذين حرام على ذكور أمتي حل لإناثها): قلت: ولولا الإجماع -هذا كلام السندي - لقلت بتحريمه على النساء، يعني لأن الظاهر أن يقال: كان الذهب حلالاً للكل ثم حرم على الرجال فقط ثم حرم على النساء أيضاً، لكن لأن الإجماع انعقد على هذا فلا يخالفه.