للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خاتمة تفسير القاسمي لسورة البقرة]

القاسمي رحمه الله تعالى ختم تفسير سورة البقرة باقتباس جميل جداً هو في الحقيقة في غاية الروعة، وما أشد مناسبته لختام سورة البقرة؛ لأنه جمع فيه الفضائل العظيمة جداً في القرآن، يقول رحمه الله تعالى: تأمل خطاب القرآن تجد ملكاً له الملك كله وله الحمد، كله يثيب ويعاقب ويكرم ويهين ويخلق ويرزق ويحيي ويميت ويقدر ويقضي، ويدبر الأمور النازلة من عنده دقيقها وجليلها والصاعدة إليه، لا تتحرك ذرة إلا بإذنه، ولا تسقط ورقة إلا بعلمه.

فتأمل كيف تجده يثني على نفسه، ويمجد نفسه، ويحمد نفسه، وينصح عباده، ويدلهم على ما فيه سعادتهم وصلاحهم ويرغبهم فيه، ويحذرهم مما فيه هلاكهم، ويتعرف إليهم بأسمائه وصفاته، ويتحبب إليهم بنعمه وآلائه، يذكرهم بنعمه عليهم، ويأمرهم بما يستوجبون به تمامها، ويحذرهم من نقمه، ويذكرهم ما أعد لهم من الكرامة إن أطاعوه، وما أعد لهم من العقوبة إن عصوه، ويخبرهم بصنعه في أوليائه وأعدائه، وكيف كانت عاقبة هؤلاء وهؤلاء، ويثني على أوليائه بصالح أعمالهم وأحسن أوقاتهم، ويذم أعداءه بسيئ أعمالهم وقبيح صفاتهم.

ويضرب الأمثال، وينوع الأدلة والبراهين، ويجيب عن شبه أعدائه أحسن الأجوبة، ويصدق الصادق، ويكذب الكاذب، ويقول الحق، ويهدي السبيل، ويدعو إلى دار السلام، ويذكر أوصافها وحسنها ونعيمها، ويحذر من دار البوار، ويذكر عذابها وقبحها وآلامها.

ويذكِّر عباده بفقرهم إليه، وشدة حاجتهم إليه من كل وجه، وأنهم لا غنى لهم عنه طرفة عين، ويذكر لهم غناءه عن جميع الموجودات، وأنه الغني بنفسه عن كل ما سواه، وكل ما سواه فقير إليه، وأنه لا ينال أحد ذرة من الخير فما فوقها إلا بفضله ورحمته، ولا ذرة من الشر فما فوقها إلا بعدله وحكمته.

وتشهد من خطابه عتابه لأحبابه بألطف عتاب، وأنه مع ذلك مقيل عثراتهم، وغافر زلاتهم، ومقيم أعذارهم، ومذهب فسادهم، والدافع عنهم، والحامي لهم، والناصر لهم، والكفيل لمصالحهم، والمنجي لهم من كل كرب، والموفي لهم بوعده، وأنه وليهم الذي لا ولي لهم سواه، فهو مولاهم الحق وناصرهم على عدوهم، فنعم المولى ونعم النصير.

وإذا علمت القلوب من القرآن أن الله جواد رحيم جليل، هذا شأنه؛ فكيف لا تحبه، وتتنافس في القرب منه، وتنفق أنفاسها في التودد إليه، ويكون أحب إليها من كل ما سواه، ورضاه آثر عندها من رضا كل من سواه؟! وكيف لا تلهج بذكره وتصير حبه والشوق إليه والأنس به هو رضاؤها وقوتها ودواؤها، بحيث إن فقدت ذلك فسدت وهلكت ولم تنتفع بحياتها؟! اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء حزننا، وأعنا على إكمال ما قصدناه بفضلك يا أرحم الراحمين!