للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (الذين يقولون ربنا إننا آمنا)]

قال تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:١٦].

(الذين يقولون) قيل: إنها بدل من قوله: (للذين اتقوا)، فإذا قلنا إنها بدل تكون مجرورة في محل رفع بتقدير (هم الذين)، أو نصب على المدح.

(ربنا) أي: يا ربنا، لكن حذفت أداة النداء.

(إننا آمنا) أي: صدقنا (فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار).

قال الحاكم: في الآية دلالة على أنه يجوز للداعي أن يذكر طاعاته وما تقرب به إلى الله ثم يدعو.

بمعنى: أن هذا نوع من التوسل بالأعمال الصالحة، وهذا الأدب يؤخذ من مواضع كثيرة في القرآن الكريم منها قوله تعالى: {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران:٥٣]، فتوسلوا هنا بإيمانهم.

ومنها: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا} [آل عمران:١٩٣]، إلى آخره، هذا توسل بالأعمال الصالحة، وأشرفها وأعظمها الإيمان.

ومن الأدلة أيضاً: سورة الفاتحة، فإنها بدأت بالثناء على الله سبحانه وتعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٢ - ٥]، ثم {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:٦]، فقبل الدعاء أتى أيضاً بالتوسل بالعمل الصالح.

ومن السنة حديث الثلاثة الذين أطبق عليهم الغار وتوسل كل منهم بصالح عمله، ثم فرج الله سبحانه وتعالى عنهم.