للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر)]

{وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:١٧٦].

قوله تعالى: {وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ}، أي: لا تهتم ولا تبال بما يلوح منهم من آثار الكيد للإسلام ومضرة أهله، وقرئت في السبع: (ولا يحزِنك).

{إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا}، أي: لأنهم لن يضروا الله شيئاً.

قوله: (لن يضروا الله) أي: لن يضروا أولياء الله.

قال عطاء: يريد أولياء الله، نقله الرازي.

قال أبو السعود: تعليل للنهي وتكميل للتسلية بتحقيق نفي ضررهم أبداً، أي: لن يضروا بذلك أولياء الله ألبتة، وتعليق نفي الضرر به تعالى لتشريفهم، هذا معنى رائع جداً في الحقيقة، {إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا} أي: لن يضروا أولياء الله.

لماذا عبر الله تبارك وتعالى عن أوليائه بذاته المقدسة سبحانه وتعالى، (إنهم لن يضروا الله شيئا)؟ كما قلنا: إن تعليق نفي الضرر به تعالى لتشريف أولياء الله المؤمنين، والإيذان بأن مضرتهم بمنزلة مضارته سبحانه وتعالى، فإن من يؤذي أولياء الله كأنه يؤذي الله عز وجل، وجاء هذا صريحاً في الحديث القدسي المشهور: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب) ففي هذا مزيد مبالغة في التسلية يعني: لن يضروا أولياء الله شيئاً، والله عبر عن أذية أوليائه بأذيته هو تبارك وتعالى.

قال المهايمي: أي: لن يضروا أولياء الله؛ لأنه الله يحميهم {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج:٣٨]، فلو أضروهم لأضروا الله بتعجيزهم إياه عن حمايتهم، ولا يمكنهم أن يعجزوه شيئاً، بل {يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الآخِرَةِ} أي: أنه يريد أن يضرهم الضرر الكلي الذي ليس بعده ضرر، ويريد الله أن يمكر بهم كي يوقع بهم الضرر الذي لا ضرر أعظم منه، وهذا الضرر هو أنه يريد ألا يجعل لهم حظاً في الآخرة.

{وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} أي: في النار.

قال بعض المفسرين: ثمرة هذه الآية أنه لا يجب الاغتمام من معصية العاصين.

يقول السيوطي رحمه الله تعالى: (يحزنك) بضم الياء وكسر الزاي، وبفتحها وضم الزاي من حزنه وهي لغة في أحزنه.

((الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ)) أي: يقعون فيه سريعاً بنصرته، وهم أهل مكة أو المنافقون، أي: لا تهتم بكفرهم.

{إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا} بفعلهم، وإنما يضرون أنفسهم.

((يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا)) أي: نصيباً ((فِي الآخِرَةِ)) أي: الجنة، فلذلك خذلهم الله.

{وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} أي: في النار.