للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صلة الأرحام حكمها وفضلها]

((وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ)) تكرار للأمر بالتقوى، وتذكير بشيء آخر من موجبات الامتثال له؛ فإن سؤال بعضهم بعضاً بالله تعالى من موجبات تقوى الله سبحانه وتعالى، أي: اتقوا الله الذي أنتم جميعاً تعرفون قدره وتعظمونه تبارك وتعالى، حيث أن بعضكم حينما يريد أن يستعطف البعض الآخر، فإنه يقول: أسألك بالله، أو أنشدك بالله؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو أعظم شيء عند المؤمن؛ وذلك لأنكم تعظمون الله في أيمانكم هذه فينبغي أيضاً أن تتقوه.

((وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ)) أصلها (تتساءلون) فحذفت إحدى التاءين تخفيفاً.

وقرئت بإدغام تاء التفاعل في السين لتقاربهما في الهمس.

وقرئ (تسألون به) يعني من الثلاثي يعني: (تسألون به غيركم) وقد فسر به القراءة الأولى والثانية.

وحمل صيغة التفاعل (تساءلون به) على اعتبار الجمع، كما في قولك: إذا كنت وحيداً تقول: رأيت الهلال، أما إذا كنتم مجموعة فتقولون: تراءينا الهلال، لكن صيغة تراءى تفاعل، تكون في الجمع فكذلك هنا؛ لأنكم جميعاً تسألون الله فلذلك عبر بصيغة التفاعل (تساءلون به) أو (تتساءلون به).

((وَالأَرْحَامَ)) قرأها حمزة بالجر عطفاً على الضمير المجرور (به) أي: (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحامِ) أي: (الذي تتساءلون به وبالأرحام) لأن عادة العرب أنهم كانوا يناشدون بعضهم بعضاً بالله والرحم، يعني: وأسألك بالرحم.

أما باقي القراء غير حمزة فإنهم قرءوها بالنصب عطفاً على لفظ الجلالة: ((وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ) يعني: واتقوا الأرحام أن تقطعوها، فإن قطيعتها مما يجب أن يتقى، قرن الله عز وجل صلة الرحم باسمه الجليل دلالة على خطورة وأهمية صلة الرحم، كما في قوله تعالى: {لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [البقرة:٨٣]؛ لأن الوالدين أقرب الرحم، وقال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ} [النساء:٣٦]، وروى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الرحم معلقة بالعرش، تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني، قطعه الله)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة قاطع -يعني: قاطع رحم-).

وقال أيضاً صلى الله عليه وآله وسلم: (ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قُطعت رحمه وصلها).

وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه)، والأحاديث في الترغيب بصلة الرحم، والترهيب من قطيعتها كثيرة.