للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ثمار الآية الكريمة]

وثمرة هذه الآية أحكام: الأول: وجوب الإعراض عن مجالس المستهزئين بآيات الله أو بحججه أو برسله، أن لا يقعد معهم؛ لأن في القعود إظهار عدم الكراهة، وأذكر مجلساً من هذه المجالس قال فيه وزير التعليم لإخوانه الذين كانوا يجلسون إليه: لا تقلقوا من موضوع الجماعات الإسلامية، فأنا سوف أتولى هذا الأمر، فلن أوصل طالباً إلى الجامعة إلا إذا كان لا يفرق بين مسلم ومسيحي على حد تعبيره! فأين هو من آيات القرآن الكريم؟! وكان رجلاً صادق وعد، وبر في هذا المنهج المعادي للإسلام في مناهج التعليم ومحو الولاء لله ورسوله ومحو الإسلام من كل مراحل التعليم حتى المراحل المبكرة جداً، ونزع أي لفظ يزرع بذرة التدين في قلب هذا البرعم! فحسبنا الله ونعم الوكيل.

لكن مهما أنفقوا ومهما أجهدوا أنفسهم في محاربة دين الله فلربما ينجحون لشهر أو شهرين أو لسنة أو سنتين، لكن الله سبحانه وتعالى سيحبط كيدهم قطعاً؛ لأنه مهما غير ومهما بدل ولو محا كلمة الله من كل كتب مدارس التربية والتعليم على المدى، ولو محا اسم الله واسم رسوله وأهلك كل شيء له علاقة بالدين فماذا سيفعل بالقرآن؟! نحن ضامنون أن القرآن سيبقى؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو المتكفل بحفظه، حيث قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:٩].

فأمثال هؤلاء يقذف الله سبحانه وتعالى بهم في هذا الإلحاد والانحراف هو سبحانه وتعالى لهم بالمرصاد {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [القلم:٤٥] فكيف يظن أنه يكيد المسلمين ويكيد الله، والله سبحانه وتعالى سوف ينصر دينه ويبطل كيد أعداء هذا الدين مهما طال الأمد؟! فلا شك في أن العاقبة للمتقين وأن العاقبة للتقوى، فإذا كان وقف حياته على القضاء على الإسلام ومحو الاعتزاز بالإسلام والولاء له من قلوب الأجيال فإن غيره ممن كانوا أشد قوة واستكباراً في الأرض وحرباً لله ورسوله كانوا أولى بأن يفعلوا ذلك، لكن أطفأ الله نورهم، ولا يذكرون إلا باللعنة وبالدعاء عليهم من عباد الله سبحانه وتعالى، وإذا كان الله سبحانه وتعالى يغار على أوليائه ويقول: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب) فكيف بمن يعاديه هو عز وجل؟! فهو أولى بأن يبارزه الله بالحرب، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يخذل كل عدو لهذا الدين، وأن يخذلهم وأن يكيدهم كيداً ويرد كيدهم في نحورهم، فمثل هذا المجلس الذي قال فيه هذه الكلمة كان يجب على أي مسلم حضر أن يفارقهم، ولا يسمع مثل هذا الكلام.

ففي الآية وجوب الإعراض عن مجالس المستهزئين بآيات الله وبحججه أو برسله، أن لا يقعد معهم؛ لأن في القعود إظهار عدم الكراهة، وذلك لأن التكليف عام لنا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يجب الإعراض وترك الجلوس معهم إذا لم يطمع في قبولهم، فإذا انقطع طمعه فلا فائدة في دعائهم، ويجب القيام من مجالسهم إذا عرف أن قيامه سيكون سبباً في ترك الخوض، وأنهم إنما يفعلونه مغايظة للواقف إذا كان وقوفه يوهم عدم الكراهة.

الحكم الثاني: جواز مجالسة الكفار مع عدم الخوض، فكما أنه يجب الإعراض عن مجالس المستهزئين بآيات الله سبحانه وتعالى فإنه يجوز أن يجالس الكفار مع عدم الخوض؛ لأنه إنما أمر بالإعراض مع الخوض، وأيضاً قال تعالى: {حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [النساء:١٤٠] إلى هذه الغاية، يعني: إذا خاضوا في حديث آخر غير حديث الاستهزاء فإنه يزول التحريم هنا، والآية تدل -أيضاً- على المنع من مجالسة الظلمة والفسقة إذا أظهروا المنكرات، وتدل على إباحة الدخول عليهم لغرض، كما إذا كان للتذكير، فيمكن أن تجالس الظلمة والفسقة حتى الكافرين إذا كان ذلك بهدف التذكير بآيات الله، ودعوتهم إلى التوحيد وإلى الإسلام وإلى الاستقامة، أو إنكار المنكر.

وفي الآية -أيضاً- دلالة على وجوب الإنكار؛ لأن الإعراض إنكار.

قال: وتدل على أن التقية من الأنبياء بإظهارهم المنكر لا تجوز يعني أن الأنبياء وأئمة الدين لا يجوز لهم التقية؛ لأن هؤلاء إذا مارسوا التقية -وهم قدوة للبشر- فسوف يلتبس الحق بالباطل على الناس، وإنما يترخص من دونهم في التقية كما ذكرنا، خلافاً للإمامية؛ لأن الإمامية يجوزون على الأئمة الاثنى عشر التقية كما هو معروف.

كذلك الآية تدل على جواز النسيان على الأنبياء؛ لأن المخاطب في الآية هو النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أحكام الآية أن الناسي مرفوع عنه الحرج، وأن النسيان سببه وسوسة الشيطان والإعراض عن الذكر.