للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون)]

ثم قال سبحانه وتعالى: {قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [الأنعام:١٣٥].

قوله: (قل يا قوم اعملوا على مكانتكم) يعني: على غاية تمكنكم واستطاعتكم، وابذلوا أقصى ما في إمكانيتكم في هذا العمل، يقال: مكن مكانة، إذا تمكن أبلغ التمكن.

أو أن معنى (اعملوا على مكانتكم) أي: على جهتكم وحالتكم.

من قولهم: مكان ومكانة كمقام ومقامة، والمعنى: أنتم رضيتم بالكفر فاثبتوا على هذا الكفر.

وهذا تهديد لهم، كقوله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:٢٩] لأنه ليس المقصود به أن هناك اختياراً بين الكفر والإيمان، لكنه تهديد وتوعد، وهذا مثل قول جبريل في الحديث: (يا محمد! عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به)، فقوله: (اعمل ما شئت) تهديد، وكذلك هنا يكون قوله: (اعملوا على مكانتكم) يعني: ابذلوا غاية ما تستطيعون وما تقدرون عليه.

أو: (اعملوا على مكانتكم) يعني اثبتوا على كفركم وسترون عاقبة هذا الكفر.

وقوله: (إني عامل) أي: ما أمرت به من الثبات على الإسلام.

وقوله: ((فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ) أي: الدار التي بنيت لعبادته تعالى وحده دون غيره، فسوف تكون العاقبة للذي يضع العبادة في موضعها لا للظالم الذي يضع العبادة في غير موضعها.

والدار هنا المقصود الدنيا، كما قال عز وجل: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأعراف:١٣٧]، وقال عز وجل أيضاً: {وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:١٣٢]، وقال: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف:١٢٨].

فالمراد بالدار الدنيا، وبالعاقبة في قوله: (فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار) عاقبة الدنيا، أي: عاقبة الخير؛ لأنها الأصل، فإنه تعالى جعل الدنيا مزرعة للآخرة وقنطرة المجاز إليها.

وقوله: (إنه لا يفلح الظالمون) أي: الكافرون.

والظلم هنا المقصود به الظلم الأكبر، وهو الشرك، ووضع الظلم موضع الكفر، ولم يقل سبحانه وتعالى: إنه لا يفلح الكافرون، وإنما قال هنا: (إنه لا يفلح الظالمون) لأن الظلم هو وضع الشيء في غير محله وفي غير موضعه، فوَضع الظلم موضع الكفر إيذاناً بأن امتناع الفلاح يترتب على أي فرد كان من أفراد الظلم، فما ظنك بالكفر الذي هو أعظم الظلم؟! أي: أن الشخص الذي يقع في أي نوع من أنواع الظلم حتى لو كان دون الظلم الأكبر الذي هو الشرك فإنه لا يفلح، ولا يمكن أن الظالم يفلح، فما بالك إذا كان هذا الظلم هو أكبر وأخطر أنواع الظلم الذي هو الشرك العظيم بالله سبحانه وتعالى؟!