للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لتدوين الفقه، وإثبات الأحكام، وتفقيه الناس وإفتائهم، وهذا لا يدلّ على أن ما كان يرويه عن غيره، عن النبىّ Object كان قليلا؛ لأن صاحب المقالة والمذهب، إذا أنهى إليه الخبر، أخذ حكمه المشتمل عليه، فدوّنه، وأثبته عنده، وجعله أصلا ليقيس عليه نظائره؛ فمرّة يفتى بحكمه ولا يروى الخبر، فيخرجه على وجه الفتوى، فيقف لفظ الخبر، وينقطع عنده. وكذا فعل أكثر فقهاء الصّحابة؛ كالخلفاء الأربعة، وعبد الله بن مسعود، وزيد، وغيرهما من فقهاء الصّحابة، Object.

ويدلّك على هذا، أن الخلفاء الأربعة صحبوا رسول الله Object من مبعثه إلى وفاته، وكانو لا يكادون يفارقونه فى سفر ولا حضر، وكذلك عبد الله بن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وعمّار بن ياسر؛ وأبو هريرة أكثر رواية منهم، وإنما صحب النبىّ Object نحو سنتين؛ لأنه تأخّر إسلامه، أفتراه سمع من رسول الله Object أكثر ممّا سمع هؤلاء، أو شاهد أكثر ممّا شاهد هؤلاء!!، وقد روى الناس عنه أكثر ممّا رووا عنهم!! وإنما كان كذلك؛ لأن الخلفاء الرّاشدين، Object، كانوا فقهاء الصّحابة، وكانوا أصحاب مقالات ومذاهب، وكذلك عبد الله بن مسعود، وكانوا يفتون بكلّ علم صدر عن قول رسول الله صلّى الله/عليه وسلّم أو عن فعله، فيخرجونه على وجه الفتوى، ولا يروونه، وربّما رواه البعض منهم عند احتياجه إلى الاحتجاج به على غيره ممّن خالفه من نظرائه.

وهذا هو المعنىّ فى قلّة رواية ذى المقالة والمذهب عن النبىّ Object للناس، وقلّة روايتهم عنه.

وأمّا هو (١) فقد سمع من الأخبار، وجمع ما لم يحط به غيره؛ فإنّ الأخبار منها ناسخ ومنسوخ، ومثبت وناف، وحاظر ومبيح، ونحو ذلك، فإذا ورد جميع ذلك إلى صاحب المقالة نظر فيها، وأخذ بالنّاسخ منها، وهو المتأخّر، فإن لم يعلم المتأخّر، أخذ بأرجحهما عنده، وترك الآخر، فإذا أخذ المتأخّر أو ما رجح عنده، فربمّا رواه، وربّما أفتى بحكمه، ولم يروه، وأسقط ما نافاه، ولم يلتفت اليه، وأصحاب الحديث يروون الجميع؛ فلهذا قلّت رواية الخلفاء الأربعة، ومن بعدهم من الفقهاء.


(١) ساقط من: ط، وهو فى: ص، ن.