للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[السبب الثاني: انتشار الفساد]

السبب الثاني من أسباب يأس البعض منا: انتشار الفساد: والشيطان لا يريهم إلا كل صورة سيئة، ولا يضع أمامهم إلا الشر فقط.

وإذا ذهبت إلى أمريكا فستجد الطوابير أمام العيادات النفسية، تريد حجز مكان عند الدكتور النفسي؛ لأن عندهم إما مكتئب، وإما مقدم على الانتحار، وإما قانط من الحياة وما فيها، وإما من دخل مرحلة الجنون.

وواحدة من هذه تكفي.

والله سبحانه وتعالى يعطي الإنسان شيئاً ويسلبه شيئاً، ولو أعطاه كل شيء لأصبح مثل فرعون، فـ فرعون أعطي من كل شيء فاستكبر، {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:٤٩ - ٥٠] قال له: والذي يؤمن به أين يذهب؟ قال: يذهب إلى جنات تجري من تحتها الأنهار وملك لا يفنى.

قال: أنا عندي هذا كله، عندي ملك مصر، {وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:٥١].

وسيدنا موسى بعدما دخل على فرعون بالرسالة لم يمرض أبداً.

اللهم لا تسلبنا بعد العطاء يا رب! وثبت علينا نعمة الإيمان يا أكرم الأكرمين فقد كان صاحب غنى وجاه ومنصب ومكانة والناس كلها -والعياذ بالله- تعبده من دون الله.

ثم إن ربنا بدأ يبتليهم، فابتلاهم بالدم، فكان الطباخون يغرفون ويذهبون بالأطباق إلى فرعون فتعود مليئة بالدم، فقالوا: يا موسى {اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ} [الدخان:١٢]، فلما كشف العذاب قالوا: لن نؤمن لك، فابتلاهم الله بالضفادع، فكان فرعون وقومه يأتون ليتكلموا وما إن يفتح أحدهم فمه حتى تقفز الضفدعة إلى فمه، والفئران في عام ١٩٨٥م حولت حياة أهل الريف والصعيد إلى جحيم، نسأل الله العافية والرحمة.

فأرسل الله عليهم الجراد والقمل والدم والضفادع آيات مفصلات.

ثم قال سيدنا موسى: نأخذ هؤلاء المؤمنين ونذهب بهم بعيداً عن انحراف فرعون إلى الأرض المقدسة، فسار بهم نحو سيناء، فأتبعهم فرعون ومن معه من جنوده، فلما رءوهم {قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:٦١ - ٦٢]، ثم عبر سيدنا موسى ومن معه البحر.

وكان سيدنا جبريل يجلس مع سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم يسامره ويكلمه عن أخبار الأمم السابقة، ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلم كان عنده من العلم ما ليس عندنا، ولكن الشيء الذي يخص أمر العقيدة والوصول إلى الله لم يخبئه عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبداً، فما خبأ شيئاً مما علم صلى الله عليه وسلم، وما علمه بلغه، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:٦٧].

فقال له: لو تراني يا رسول الله! وأنا أدس الماء في فمه؛ كي يغرق قبل أن تدركه رحمة الله عز وجل.

وانظروا إلى غيظ سيدنا جبريل منه، فهو يريد أن يغرقه قبل أن تنزل عليه رحمة ربنا؛ لأن سيدنا جبريل يغار على مقام الوحدانية.

وأنت تريد الانتقام ممن يشتم أباك، فما بالك بمن يقول: أنا ربكم الأعلى.

وقد كان الشافعي يدعو الله ويبكي ويقول: يا رب! تقول هذا لمن قال: أنا ربكم الأعلى -يعني: أنت قلت لموسى وهارون: اذهبا إلى فرعون وقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى- فكيف بمن يقول في كل لحظة: سبحان ربي الأعلى، أي: إنك ستكرمه يا رب! إن شاء الله.

اللهم أكرمنا ولا تهنا، اللهم أكرمنا ولا تهنا.

فالشيطان قد يوسع لك منظر الفساد أمامك، وعندئذٍ أيضاً لا تشك في الصلاح والإصلاح أبداً.

<<  <  ج: ص:  >  >>