للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مولد فاطمة الزهراء عام إعادة بناء الكعبة]

هذه هي الحلقة الثامنة وسنقف فيها مع أصغر بنات النبي صلى الله عليه وسلم، ومن حازت حب أبيها أكثر من غيرها، وظلت على قيد الحياة بعد انتقال أبيها إلى الرفيق الأعلى صلى الله عليه وسلم، ومنها كان عقبه ونسله الطاهر عليه الصلاة والسلام، فأنجبت أربعة من الأبناء والبنات، وهي السيدة فاطمة الزهراء.

وقد كان يوم ولادتها يوم عظيم في تاريخ البشرية، فالسيول هدمت الكعبة، والكعبة كانت كلما تأتيها سيول تهدمها، وكانت قريش تخاف الاقتراب من الكعبة، لأنه كان لهذا المكان احترام، فأرادوا أن يعيدوا بناءها، وخافوا من هدمها، وقالوا: إن هدمناها فقد يصيبنا الله بشيء؛ لأنهم رأوا ما صنع الله بـ أبرهة عندما أراد سوءاً بالكعبة، ورأوا الطير الأبابيل، وذكروها في شعرهم، ورأوا هلاك أبرهة أمام أعينهم.

وكانت الحجارة التي أتت بها الطير الأبابيل حجارة مسومة معلمة، يعني: الحجر أو الحصاة مكتوب عليها اسم الذي ستقتله، وسبحان الله، فأنت لابد أن تكون مع الله حتى يأتيك نصر الله عز وجل! وكان قد قال أبرهة لـ عبد المطلب يا عبد المطلب! آتي لهدم بيت آبائك وأجدادك وتسألني عن مائة ناقة لك ولأبنائك؟! فقال له: الإبل أنا ربها، وللبيت رب يحميه.

والذين يقولون: احتمال أن تعمل أمريكا أو إسرائيل أو العراق كذا، نقول لهم: هذا بيت محمي من الله عز وجل، والملائكة ستحرسه، ولا تظنوا إلا كل خير، ولا تشكوا في قدرة الله عز وجل، قال تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج:٢٥]، فبيت الله محروس من قبل الله عز وجل، وعلى حدود مكة والمدينة ملائكة تحرس الحرمين الشريفين.

فرد عليه الإبل، وقام أبرهة ومعه اثنا عشر فيلاً، والفيل الكبير كان اسمه محموداً، يعني: محمود الفعال، فكان يوجه الفيل يميناً فيمشي، وشمالاً فيمشي، وغرباً فيمشي، وشرقاً فيمشي.

وعندما نذهب نحج نأتي إلى مكان بين الصفا والمروة ونسرع فيه قليلاً، وهو وادي محسر، وهو عند المشعر الحرام ببضع أمتار، وهذا هو المكان الذي هلك فيه أبرهة، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يأمر الصحابة أن يسرعوا في هذه المنطقة، واليوم بعض السائقين ينزلون الحجاج في وادي محسر؛ لالتقاط الحصى، وإذا قلت له: لا أحد ينزل في هذا المكان، قال: انزلوا هنا حتى لا تقع لنا مشاكل.

فلما وصل إبرهة وادي محسر إذا بالطير تحجب ضوء السماء، وكان ينزل كل طير معه ثلاث حصيات، حصاة في منقاره، وحصاة في رجله اليمنى، وحصاة في رجله اليسرى، وكل حصاة مكتوب عليها اسم المقتول بها، مسومة عند ربك.

وأبرهة اجتمعت عليه الطيور حتى جمعه جنوده قطعاً في جرة.

فيجب على كل مسلم أن يدرك أن للبيت رباً يحميه.

والرسول صلى الله عليه وسلم ولد في عام الفيل، ولما بلغ من العمر ثلاثين عاماً أرادت قريش أن تعيد بناء الكعبة، فدخل الوليد بن المغيرة والد خالد بن الوليد وأمسك بالمعول وقريش ساكتة كلها وقال: يا رب! إنك تعلم أننا لا نريد إلا خيراً، وضرب فوقعت حجر من الكعبة، فقالت قريش: انتظروا حتى الصباح، فإن حدث شر للوليد أعدنا الحجر إلى مكانه ولن نقترب من الكعبة، وإن لم يحصل له شيء هدمناها وبنيناها كما كانت، فانتظروا إلى الصباح فإذا الوليد سليماً معافى، فذهبوا لإكمال الهدم والبناء، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يشاركهم في ذلك.

ثم اختلفوا فيمن يضع الحجر الأسود، فاحتكموا وقالوا: أول واحد يدخل من باب الحرم نحتكم إليه، فإذا به سيدنا محمد، ولم يكن رسولاً بعد، وقالوا: هذا هو الأمين محمد، قد رضينا بالأمين محمد، فسألهم: مالكم؟ فقالوا: لقد اختلفنا من الذي يضع الحجر، وكاد أن يحدث تنازع بين القبائل، لأن كل قبيلة تريد أن تحوز هذا الشرف، وهذا شرف كبير لأي قبيلة تضع الحجر في مكانه، وعندئذٍ خلع عباءته الشريفة، وبسطها على الأرض، ووضع الحجر فيها، ثم قال: لتختر كل قبيلة واحداً منها ليرفع من طرف، فلما اقترب الحجر من مكانه أخذه صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة ووضعه مكانه، وانتهت المشكلة، فعاد إلى البيت فإذا بـ خديجة قد وضعت فاطمة الزهراء.

فأبوها ولد في عام الفيل، وهي ولدت في يوم إعادة بناء الكعبة، وقد سماها فاطمة الزهراء، قالوا: لأنها كانت كأن الشمس تشع من وجهها كأبيها، فـ الزهراء يعني: مضيئة، فالسيدة فاطمة حرمت حنان أمها وهي صغيرة، وتزوجت في غيبة أمها.

<<  <  ج: ص:  >  >>