للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بيان عظمة توكل هاجر على الله وثقتها به]

فتركهما في مكان لا زرع فيه ولا ماء ولا عمران، فقالت هاجر: يا إبراهيم! آلله أمرك بهذا؟ قال لها: نعم، قالت: إذاً لن يضيعنا.

فانظر إلى اليقين، فإذا كان الله هو الآمر فلن نضيع، والذي يمشي تبعاً لأمر الله لا يضيع، فإذا كنت داخل حدود ما أمر الله فأنت في راحة وفي مأمن من الشيطان ومأمن من كل سوء إن شاء الله رب العالمين؛ لأنك عندما تعمل الطاعة يكافئك الله بطاعة بعدها، وإن للطاعة لنوراً في الوجه ورضا في القلب ومحبة في قلوب الخلق وسعة في الرزق وبركة في العمر، وإن للمعصية لظلمة في الوجه وانقباضاً في القلب وضيقاً في الرزق وكراهية في قلوب الخلق وضنكاً في المعيشة، كما قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} [طه:١٢٤].

فـ هاجر لم تقل لسيدنا إبراهيم: يا رجل! جئت بي من مصر من أجل أن تهينني في بلاد الغربة، وترميني في صحراء، بل قالت: الله أمرك بهذا؟! فقال لها: نعم، فقالت: لن يضيعنا.

فكانت على ثقة بالله.

فمن اعتمد على ماله قل، ومن اعتمد على عقله ضل، ومن اعتمد على ذكائه اختل، ومن اعتمد على الله فما قل ولا ذل ولا ضل ولا اختل.

فأنت موصول بالله تكل الأمور إلى القوي المتين، وتقول: يا رب! لست قادراً، فاهد ابني، واهد امرأتي.

إن أم أبي هريرة شتمت الرسول صلى الله عليه وسلم فجاء أبو هريرة إلى رسول الله فقال له: يا رسول الله! ادع لأمي، فقال: اللهم اهد أم أبي هريرة، فرجع البيت، فسمع صوت ماء، فطرق الباب، فقالت أمه: انتظر يا بني، فخرجت والماء يقطر منها قد أسلمت.

فلما ذهب إبراهيم عليه السلام مكثت هاجر مع ابنها، فانتهى الزاد، فبكى الطفل الرضيع، فقامت السيدة هاجر تركض بين الصفا والمروة سبع مرات حتى نزل جبريل عليه السلام وفجر الأرض تحت أقدام سيدنا إسماعيل، فتفجرت بئر زمزم وأتت جرهم، وكبر سيدنا إسماعيل، فتعلم منهم الفروسية، وتعلم منهم اللغة العربية، ونشأ عربياً بينهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>