للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الصبر العظيم في حياة إبراهيم عليه السلام]

لقد تعرض سيدنا إبراهيم لابتلاءات توالت، فيا من ابتلي بضنك في المعيشة، وولد عاق، قل: يا رب! أغنني، فسوف يغنيك من فضله، وإن كانت امرأتك غاضبة عليك، فاتق الله يهدها لك، وإن كان ابنك على غير المرجو وقد ربيته فلم يكن فيه فائدة فاعلم أن هذا ابتلاء من الله، فاصبر على الابتلاء، وإذا كان بعض العمال قد أتعبوك في محلك فاستجر بالله سبحانه وتعالى، فسيقذف الرأفة والرحمة في قلوبهم.

فسيدنا إبراهيم وهو صغير كان أبوه منشغلاً بصناعة التماثيل، فكان يقول له: يا إبراهيم! بع الآلهة.

وكانت الآلهة أنواعاً، فالغني يشتري إله ذهب، والفقير يشتري إله طين.

فسيدنا إبراهيم جمعها كلها في مكان وقال: من الذي يشتري ما لا ينفع ولا يضر! ثم كسر الأصنام وقال لقومه: اسألوا كبيرهم هذا، فقذفوه في النار، قال تعالى: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:٦٩]، فكانت الملائكة تسامر سيدنا إبراهيم وهو قاعد في وسط النار، ولم تحترق إلا القيود والحبال التي ربطوه بها.

لكن برد وسلام.

ثم دخل عليه نفر من الملائكة، وكان كريماً، فقد كان يمشي مسافة ميلين قبل الطعام ليأتي بضيف.

قال تعالى: {فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} [هود:٦٩]، فرآهم لا يأكلون فخاف، فقالوا: {إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ} [هود:٨١] فنحن ملائكة آتون إلى قوم لوط لنعذبهم، فقال لهم: {إِنَّ فِيهَا لُوطًا} [العنكبوت:٣٢] فقالوا: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا} [العنكبوت:٣٢]، ثم بشروا سارة {بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [هود:٧١].

ويروى أن كافراً آكل في بيت الخليل، فعلم إبراهيم بحقيقته، فأخذ الأكل من أمامه وطرده، فقال الله: يا خليلي! أبيت أن تضيفه في بيتك ساعة، وأنا -مع كفره بي- أضيفه في ملكي منذ خمسين سنة.

فانطلق سيدنا إبراهيم ليرده، فقال له: لقد طردتني، فقال: لقد عاتبني فيك ربي.

فقال: رب يعاتب خليله في كافر مثلي؟! هذا رب أولى بالعبادة والتوحيد، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، فقال الله: يا إبراهيم! أعجبت من رجل أكل نصف طعامه كافراً ثم أكل نصفه مؤمناً بفضل حسن الخلق؟! وشتان ما بين الأكلتين.

فحاصل حياة الأنبياء هو التربية على الصبر.

<<  <  ج: ص:  >  >>