للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الرؤيا الصادقة]

وقبل نزول الوحي بستة أشهر كان الرسول يرى الرؤيا فتقع كفلق الصبح، وهذه من إرهاصات النبوة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة)؛ لأن الوحي نزل على سيدنا الحبيب ثلاثاً وعشرين سنة، والستة الأشهر بالنسبة لهذه المدة جزء من ستة وأربعين، فمن يرى رؤيا صالحة كأنه حقق من النبوة جزءاً من ستة وأربعين، ومن حفظ القرآن وعمل به فليس بينه ويبن النبوة إلا أن يوحى إليه.

والرؤيا من الرحمن، والحلم من الشيطان، وليس كل رؤيا صادقة، بل شرط الصادقة أن تكون نائماً على طهارة، وأن تراها قبل الفجر، وأن يكون ذهنك غير مشغول بأمر آخر، باستثناء الاستخارة، كأن تكون مبيتاً النية على شيء، فرأيت في المنام شيئاً يتعلق به، فهذه هي الرؤيا الوحيدة التي لو حصلت تكون رؤيا صحيحة.

أما ما عدا هذه فلا، كأن تنام وأنت جائع، فترى أنك تأكل، أو تنام وأنت عطشان، فترى في الليل أنهاراً وبحاراً.

جاء رجل إلى ابن سيرين فقال له: رأيت أني أختم على أفواه الرجال والنساء، وأضع سترة على عوراتهم.

فقال له: أنت مؤذن تؤذن للفجر في رمضان قبل الفجر، فقال له: صدقت يا ابن سيرين.

والثاني قال له: يا إمام! رأيت كأن بيضاً في يدي، وأنا آخذ البياض وألقي الصفار.

فقال: استدعوا لي رجلاً من الشرطة، فقال: كيف الرؤيا تأتي بالشرطة؟! قال: أنت تسرق أكفان الموتى.

فوجدوه كذلك.

ويروى أن مريضاً طال مرضه رأى في المنام رسول الله صلى الله لعيه وسلم، فقال له: ادع الله لي.

فقال له: عليك بلا ولا، فأتى ابن سيرين فقال: رأيت رسول الله يقول لي: عليك بلا ولا، فقال له: هو زيت الزيتون، فقال: يا ابن سيرين! من أين أتيت بها؟ أكل شيء تقوله من القرآن، فقال: من قوله تعالى: {شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور:٣٥]، فالرجل أخذ زيت الزيتون فشفي بفضل الله.

والرؤيا كالطائر، فكيفما فسرت وقعت، فعليك ألا تقصها إلا على من يعرف الكتاب والسنة.

رأى بلال رضي الله عنه رؤيا وهو في دمشق: أنه يسلم على رسول الله والرسول لا يرد السلام، فقام مذعوراً، فذهب إلى المدينة فقص الرؤيا على عمر، فقال له: يا بلال! منذ كم أنت في دمشق؟ قال: منذ أربعة أشهر يا أمير المؤمنين.

قال: لابد من أن تزور الحسن والحسين سبطي رسول الله، فذهب فزار الحسن والحسين، فقال الحسن والحسين لسيدنا عمر: يا أمير المؤمنين! نستشفع بك إلى بلال ليؤذن لصلاة الفجر؛ لأن سيدنا بلالاً بعد انتقال الرسول إلى الرفيق الأعلى امتنع عن الأذان، فقال: نعم، ثم قال: أذن لنا لصلاة الفجر، فقال: اعفني يا أمير المؤمنين.

قال: أستحلفك بالله، ومن أقسم على أخيه فليبر قسمه، فصعد بلال وقال: الله أكبر الله أكبر، فالمدينة كلها تعجبت، فهذا صوت كصوت بلال، فلما قال: (أشهد أن لا إله إلا الله) هرع الناس إلى المسجد النبوي الشريف، فلما قال: (أشهد أن محمداً رسول الله) خنقته العبرة وضجت المدينة كلها بالبكاء كيوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأبو حنيفة وله اثنا عشر عاماً رأى أنه ينبش قبر رسول الله، فقام من الرؤيا مذعوراً، فذهب إلى شيخه فقال له: رأيت رؤيا أفزعتني، وقصها عليه، فقال: أبشر يا أبا حنيفة، إنك ستنقب عن سنة الرسول فتخرجها للناس، وقد كان، وهذه منة مثل منة التفسير ومنة التأويل يمن الله بها.

<<  <  ج: ص:  >  >>