للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أنواع الطهارة]

وقد قلنا: إن الطهارة تنقسم إلى أقسام أربعة: طهارة الظاهر من النجاسات، وطهارة الجوارح من المعاصي، وطهارة المعدة من الحرام، ثم طهارة القلب من الأنجاس والأخباث والرذائل التي تعلق بالقلب، ولا يطهر القلب الذي اختلط حلاله بحرامه، وصار الذي يدعو إلى الله عز وجل ويأخذ بأيدي الناس إلى طريق قويم يتهم باتهامات شتى.

ولكننا نحاول أن نسلك إلى الله عز وجل طريقاً مستقيماً وصراطاً قويماً، فقد قدر علينا أن نسبح ضد التيار، والسباحة ضد التيار ليست أمراً ميسوراً، وإنما هي أمر له تبعاته وله عقباته، والطريق ليس ممهداً بالورود، بل هو كما قال ابن قيم الجوزية: طريق تعب فيه آدم، وناح من أجله نوح، وقاسى فيه الضر أيوب، ولاقى أنواع الأذى محمد صلى الله عليه وسلم.

وإن الجنة حفت بالمكاره، وحفت النار بالشهوات، فأصبح دخول النار سهلاً؛ لأنها محاطة بالشهوات، محاطة بما تحبه النفس وبما تشتهيه.

وطريق الجنة محفوف بالمكاره، والمكاره أشياء تكون دائماً ضد النفس الإنسانية، والنفس الإنسانية دائماً تحب الراحة، ولذلك سئل ابن قيم الجوزية مرة عن قصة الطريق إلى الله، فذكر قصة حدثت أمامه بين أحد المرجئة وابن تيمية شيخ الإسلام، فقد قال لـ ابن تيمية: يا ابن تيمية! كم تتعب نفسك؟! يعني: ليست لك راحة، وليس لك ليل تنام فيه، وليس لك نهار ترتاح فيه، فكل حياتك للناس وللدعوة.

قال: راحتها أريد.

يعني: كل هذا التعب من أجل الراحة.

فهذا إنسان فقه ما وراء الموت وما عند الله عز وجل {وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت:٦٤] فدار الآخرة هي الدار الحقة، فالله عز وجل يقول: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر:٢٧ - ٢٨]، فهذه النفس يقول الله لها: ارجعي، وما قال لها: تعالي، أو: اجلسي، ولكن قال: ((ارْجِعِي))، والرجوع يكون إلى المكان الأساسي الذي هو البيت، فربنا عندما يقول للنفس المؤمنة: ((ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ)) يدل قوله على مكانها الأساسي، فالدنيا كلها دار ضيافة، والضيافة أيام قليلة، ثم نعود إلى رب العباد، فاللهم ارجعنا إليك مؤمنين مسلمين مخبتين منيبين يا رب العالمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>