للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[لا تستهن بمعصية]

قال: فيا منتسباً لغير هذا الجناب، ويا واقفاً بغير هذا الباب ستعلم يوم الحشر أي سريرة تكون عليها يوم تبلى السرائر يعني: أن يوم تمتحن ضمائر العباد، فانظر ما الذي أوقفك بغير بابه، وما الذي جعلك بعيداً عن جنابه، ولعل الجملة مأخوذة من كلام سيدنا عمر عندما كان يقول: يا رب! لائذ ببابك عائذ بجنابك، لا تطردني من رحابك.

قال رحمه الله تعالى: يا مغروراً بالأماني! لعن إبليس وأهبط من منزل العز لترك سجدة واحدة أمر بها.

يعني: أن إبليس امتنع عن سجدة، فأخذ بسببها بالغضب والعياذ بالله، يريد أن يوضح لنا أنه قد يحبط عمل العبد من غير أن يعرف، ولذلك قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الحجرات:٢]، فالعمل قد يحبط وأنا أرفع صوتي على صوت رسول الله، وهذا مثال، فالرسول يقول ويأمر، وقد قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:٧]، فتقول: لا، اترك هذا الكلام.

فإبليس أهبط من منزل العز بترك سجدة أمر بها، ونحن كم أمرً ضيعناه؟! قال: وأخرج آدم من الجنة بلقمة تناولها.

حيث قال الله تعالى له: لا تأكل من الشجرة، فوضع في فمه أول لقمة فأخرج منها.

قال: حجب القاتل عنها بعد أن رآها عياناً بملء كف من دم.

يعني أن القاتل المسيل لدم بمقدار الكف لن يدخل الجنة والعياذ بالله رب العالمين، فكيف بمن يقتل الشعوب؟! وقد قيل: ربما الزاني يتوب ربما الماء يروب ربما يحمل زيت في ثقوب ربما يهدى العاصي فيعفو عنه غفار الذنوب لكن لن يبرأ الحكام في كل بلاد العرب من دم الشعوب يقول: حجب القاتل عنها بعد أن رآها عياناً بملء كف من دم، وأمر بقتل الزاني أشنع القتلات بإيلاج قدر الأنملة فيما لا يحل، وأمر بإيساع الظهر سياطاً بكلمة قذف أو بقطرة من سكر.

فلو كنا نطبق الأحكام فسمعنا في الشارع شخصاً يقول لآخر: يا ابن كذا، فإنا نأتي به فنقول له: أمعك أربعة شهود على هذا الكلام الذي تقوله؟ فإن قال: لا، قلنا: اجلدوه ثمانين جلدة، فهذا حد القذف.

ولو أن شخصاً شرب ملعقة خمر فإنا نجلده ثمانين جلدة.

يقول: لا تستهن بالأعمال، القضية عسيرة.

قال: وأبان عضواً من أعضائك بثلاثة دراهم.

يعني: عندما تسرق ثلاثة دراهم تقطع يدك.

قال: فلا تأمنه أن يحبسك في النار بمعصية واحدة من معاصيه ولا يخاف عقباها.

فقد دخلت امرأة النار في هرة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب، وإن الرجل ليعمل بطاعة الله ستين سنة، فإذا كان عند الموت جار في الوصية فيختم له بسوء عمله فيدخل النار.

وفي موسم حج قريب كان رجل يطوف، وبعد أن أكمل الطواف دخل في حجر إسماعيل وسجد سجدة تحت الميزاب، وأطال السجدة، وكان أمير مكة يصلي، فرأى هذا الرجل قد أطال كثيراً، فلمس الرجل فوقع ميتاً على الأرض وقد فاضت روحه، فاهتم الأمير بالمسألة، وقال: أريد أن أعرف اسم هذا الرجل، فعلم أن هذا الرجل جزائري، فبعث إلى اثنين من أهله ليأتيا على حسابه إلى مكة، فقال الأمير: احكوا لي حكاية هذا الرجل.

فقالا: إن هذا الرجل له اثنتان وستون سنة، وقد أحيل على المعاش منذ سنتين، ولم يركع ركعة لله، وقبل موسم الحج قام في الليل فجأة وقال: أنا تبت إلى الله، وبدأ يصلي، فلما وقف يصلي دخلت النورانية قلبه، فقال: أريد أن أحج، فقالوا: كيف تحج، إنك في عمرك لم تصل؟! فقال: أنا أريد أن أحج، أريد أن يتوب الله علي، ولعل الله يكرمني فأموت هنالك في جانب الكعبة.

فالأعمال بخواتيمها، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب.

فالعمر بآخره والعمل بخاتمته، ومن أحدث قبل السلام بطل ما مضى من صلاته، ومن أفطر قبل غروب الشمس ذهب صيامه ضائعاً، ومن أساء في آخر عمره لقي ربه بذلك الوجه.

كم جاء الثواب يسعى إليك، فوقف بالباب، فرده بواب (سوف) و (لعل) و (عسى).

ومعنى هذا الكلام كحال شخص منكم مر على صاحبه، فقال: يا فلان! إن هنالك درساً في النادي الأهلي ليس له نظير، وهناك شيخ في المنطقة الفلانية، فقال له: سآتي في الأسبوع الآتي.

فهذا هو بواب (سوف) و (لعل)، فضاع عليه الخير.

<<  <  ج: ص:  >  >>