للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[من الأمور الضائعة علم لا يعمل به]

أحمد الله رب العالمين حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، أما بعد: فاللهم في هذا الجمع الطيب انظر إلينا نظرة رضا والمسلمين، واحقن دماء المسلمين، فلا تسيل قطرة دم إسلامية إلا في سبيلك يا أكرم الأكرمين! اللهم ول أمورنا خيارنا، ولا تول أمورنا شرارنا، وأصلح أحوالنا، اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك.

اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل يا مولانا بيننا شقياً ولا محروماً، لا تدع لنا في هذه الليلة العظيمة ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا قصمته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مسافراً إلا رددته غانماً سالماً.

اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك، نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون، ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون، اللهم اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً وبعد: فما زلنا مع ابن قيم الجوزية رضي الله عنه في كتابه العظيم الفوائد، اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه يا أكرم الأكرمين.

يقول ابن القيم الجوزية في فقرتنا تلك: (عشرة أشياء ضائعة) أي: عشرة أمور تضيع علينا، وكلنا للأسف لا ننتفع بها.

أولها: (علم لا يعمل به) يعني: مشكلتنا كلنا العلم الذي لا يعمل به، يعني: كثير من الناس يأخذون العلم بكثرته، وليس العلم كثرة الرواية، وإنما العلم الخشية، يعني: فعندما أرى إنساناً يتكلم بالعلم كثيراً ولا يطبق، أو يسمع العلم كثيراً ولا يطبق، فإن العلم حجة عليه لا له، وسأل رجل أبا هريرة: فقال له: يا أبا هريرة! إني لا أتعلم العلم مخافة أن يضيع أي: أخاف أن أتعلم ثم أضيع ولذا فلا أتعلم، فقال له أبو هريرة: كفى بعدم تعلمك إضاعة للعلم.

يعني: أنت ضيعت العلم بعدم تحصيلك له، ولكن الأكمل أن يستمع الإنسان ويطبق، أو أن يقول وأن ينفذ.

وكان صحابة الحبيب صلى الله عليه وسلم ورضوان الله عليهم جميعاً، الواحد منهم يسمع الكلمة ويطبقها، حتى قيل: إن عمر بن الخطاب سمع أو حفظ سورة البقرة في ثمان سنوات، يعني: الإنسان الصادق عندما يسمع آيات الله عز وجل فآية واحدة تكفيه.

جاء أعرابي يريد أن يعرف الإسلام فقال: يا أبا ذر! علم أخاك الإسلام، فعلمه أبو ذر الإسلام والرجل ما عنده أي فكرة عن الدين، فبدأ وقرأ عليه أبو ذر سورة الزلزلة إلى أن بلغ آخرها: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} [الزلزلة:٧ - ٨]، فترقرقت الدموع في عيني الأعرابي، وقال: يا أبا ذر! أيحاسبنا رب العباد بالذرة يوم القيامة؟ قال: نعم، قال: كفاني من الإسلام هذا وكأنه يقول: ما فائدة العلم إذا لم أطبق؟ فالرجل مجرد ما سمع: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [الزلزلة:٧]، كفته الآية، فالخير الذي أعمله سأجده في كتاب الحسنات، والشر الذي أعمله قد أجده في كتاب السيئات! ولذلك في حديث آخر يقول سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم: (التمس لأخيك من عذر إلى سبعين عذراً).

يعني: لو غلط أخوك في حقك فالتمس له من عذر إلى سبعين، وليس بلازم أن آتيك بعذر، ولذلك قال: (فإن لم تجد له عذراً قل: عسى أن يكون له عذر لا أعرفه) لو طبقنا هذا الحديث فهل سأغضب منك وتغضب مني؟

<<  <  ج: ص:  >  >>