للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[صفة الطائفة المنصورة]

إن الفرقة المنصورة يجب أن تتصف بصفات، أولاً: يجب أن نفرح عندما نرى المساجد قد اكتظت بالمصلين الموحدين، فهؤلاء المصلون هم أمان للأمة في كل مكان.

اسمع إلى الحديث القدسي الذي يقول فيه رب العباد سبحانه فيما بلغه عنه النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إني لأهم بأهل الأرض عذاباً، فإذا نظرت إلى المتزاورين فيّ، والمتحابين فيّ، والمتجالسين فيّ، وإلى عمار بيتي، رفعت عذابي عنهم).

وقال عليه الصلاة والسلام: (أنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت فأصحابي أمنة لمن بعدي، فإذا ذهبوا صار كل مؤمن صادق الإيمان أمنة لمن حوله)، وكل مؤمن بفضل الله يستجلب رحمة الله عز وجل على المكان الذي يعيش فيه، فإذا اكتظت مساجدنا بالمصلين في رمضان، وبالدعاء في رمضان، واكتظت موائد الرحمن من المحسنين في الطرقات والشوارع، فإنا نفرح بذلك، وأهل الإحسان والحمد لله كثيرون في مصر وفي كل بلاد الإسلام.

ثانياً: يجب أن نفرح بالذين يقومون على أمرنا ويقولون: إن شعوبنا لا تصلح إلا بالإسلام، وإن الرحمة لا تنزل إلا على الذين يتقون ربهم، ويخشونه بالغيب، ويخافون عذابه.

ويجب أن نقول: إن نصر المسلمين، واستتباب الحكم في البلاد كلها لا يكون إلا بهذه الفرقة المنصورة الناجية التي استقامت على طريق الله، ونشرت دين الله عز وجل، وباعت نفسها ومالها وكل شيء لرب العالمين سبحانه، محققين قول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:١١١].

اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين.

فهذه فرقة استقامت على طريق أجدادها من الصحابة، فعندما حاصر النبي صلى الله عليه وسلم اليهود في خيبر خرج مرحب، وكان رجلاً فارساً شجاعاً مغواراً مقاتلاً شرساً، وقال: من يخرج إلي؟ فخرج إليه علي بن أبي طالب فأطاح برأس مرحب.

ثم خرج ياسر أخو مرحب، وكان مقاتلاً شديداً من أشاوس المقاتلين في جزيرة العرب، فقال: من يقاتل؟ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: لتقم يا زبير بن العوام، فقام الزبير فإذا بـ صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم تقول: يقتله يا بن أخي! يقتله يا محمد! يقتله يا رسول الله! قال: لا تخافي يا عمة إنما سيعينه الله عليه، فقتل الزبير أخا مرحب.

وفي غزوة الخندق عبر عمرو بن عبد ود الخندق وكان رجلاً مقاتلاً شجاعاً، وقال: يا محمد! أخرج لي رجلاً كفؤاً يقاتلني، فقال علي: أنا له يا رسول الله! قال: يا علي اجلس إنه عمرو بن عبد ود، فقال: وأنا علي بن أبي طالب، فيقوم علي كرم الله وجهه، فقال عمرو: من أنت؟ قال: علي بن أبي طالب، قال عمرو: يا بن أخي! والله لا أحب أن أقتلك، قال علي: ولكني يا عدو الله أحب أن أقتلك.

فعندئذٍ استشاط الرجل غضباً وتحاورا وتقاتلا من بعد صلاة الظهر حتى أوشكت الشمس أن تغيب، وقبل غروب الشمس بلحظات إذا بـ علي يقطع رقبة عمرو بن عبد ود.

ولقد صدق التاريخ في مقولته: إن القواد الشجعان والمقاتلين الشجعان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم استشهدوا في المعارك، والقواد الأشد شجاعة لم يرزقوا الشهادة في المعارك.

فهذا خالد بن الوليد كان يتمنى أن يستشهد في معركة، فهو عندما أدركته المنية قال: لقد خضت أكثر من مائة معركة، وليس موضع شبر من جسدي إلا وفيه طعنة برمح أو ضربة بسيف، وهاأنذا أموت على فراشي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء.

وفي فتح خيبر قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، قم يا علي فخذ الراية) ففتح الله رب العالمين على المسلمين.

يا إخوتاه! إن أجدادنا باعوا أنفسهم وأموالهم لله فما ضاعت عليهم أرض، بل في كل يوم تُضم أرض جديدة إلى الإسلام، وتدخل فرق جديدة في الإسلام، ويدخل الناس في دين الله أفواجاً، أما نحن فقد صارت أراضينا تلتقط من كل جهة، فقد ضاعت الأندلس، وبعدها ضاعت فلسطين، وتوشك أن تضيع البوسنة والهرسك.

اللهم أعد إلينا ديار الإسلام عزيزة قوية منيعة يا رب العالمين.

إن الفرقة المنصورة فرقة يجب أن تتوكل على رب العباد سبحانه، فلا يضرها من ضل، والله عز وجل ناصرها.

هكذا ندفع الغربة العامة التي نحياها، وكذلك ندفع الغربة الخاصة، وندفع الغربة الأخص؛ لنتبوأ مكاننا تحت الشمس مرة أخرى، ولنأخذ زمام المبادرة ونكون قواداً لهذه البشرية الضالة إلى رب العباد سبحانه وتعالى.

يقول صلى الله عليه وسلم: (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار بعز عزيز، أو بذل ذليل).

أيها الإخوة المسلمون! قد أكون شاقاً في خطبتي، ولكن الخطبة إن لم توقظ همم المسلمين وقلوبهم فلا خير فيها، وأحسب أنني أقولها صادقاً من قلبي إن شاء الله رب العالمين، لا أريد بها جزاءً ولا شكوراً إلا من رب العباد سبحانه.

أقولها لأوقظ نياماً، وأوقظ الوسنانين الذين يظنون أن النصر يأتي بدون مجهود، وأن النصر يأتي ونحن نائمون على ظهورنا، وكما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا ينامن أحدكم على ظهره فيقول: اللهم ارزقني، وهو يعلم أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة.

إن الدعاء وحده لا يكفي، بل لابد من الاستقامة على طريق الله، وتحقيق أمر الله من الحاكم والمحكوم في بلاد الإسلام، حينها ينزل الله علينا رحمته، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف:٩٦].

أيها الإخوة المسلمون! ليكن رمضان لنا وقفة يتوقف العبد فيه ليحاسب نفسه، ويسأل نفسه: ماذا قدم كل واحد منا لدينه دين الإسلام دين محمد صلى الله عليه وسلم؟ ماذا قدم لنصر شريعة الله عز وجل؟ كل في مكانه، عسى رب العباد أن يجلي الغمة، وأن ينصر الأمة، وأن يوضح لنا معالم الطريق، وأن يهدينا سواء السبيل.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت يا رب أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.

اللهم ادفع غربتنا، اللهم ادفع غربتنا، اللهم ادفع غربتنا.

اللهم آمن روعتنا، اللهم أطعمنا من جوع، واكسنا من عري، وآمنا من خوف، اللهم انصرنا بعد هزيمة، ووفقنا لما تحب وترضا، وأقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به الجنة، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا.

اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأنصر إخواننا في البوسنة والهرسك، اللهم انصرهم نصراً عزيزاً مؤزراً.

اللهم صن أعراض نسائنا في البوسنة والهرسك يا رب العالمين.

اللهم عليك بالصرب وأعوانهم، زلزل الأرض من تحت أقدامهم، اللهم اهزمهم يا رب العالمين، اللهم احصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تبق منهم أحداً.

اللهم لا تجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً، اللهم من أراد بالمسلمين سوءاً فاردد اللهم سوءه إليه.

اللهم انصرنا وانصر بنا يا رب العالمين، وردنا إلى الإسلام رداً حسناً جميلاً، واجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك.

وصلى الله على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه وسلم يا رب تسليماً كثيراً.

<<  <  ج: ص:  >  >>