للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفرق بين الكبر والعزة]

خطوة عن نفسك: أن تفرق بين الكبر وبين الكرامة والعزة، فلو آذاك أخوك فقلت: إن هذا شيء يخص كرامتي وأنا لن أذهب إليه ولن أصافحه ولن أعزيه ولن يجمعني وإياه مجلس واحد؛ لأنه أساء إلى كرامتي، نقول: أنت متكبر، رأينا كيف كان الصالحون رضي الله عنهم يصلح الواحد منهم أمره مع أخيه، قيل للحسين بن علي: ادخل فاصطلح مع أخيك الحسن؟ فتبسم الحسين وقال: الحسن أخي أكبر مني سناً ومقاماً، ولكني بلغني عن جدي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الأخوان المتخاصمان أسرعهما صلحاً لأخيه أسرعهما دخولاً إلى الجنة) وأنا أتباطأ حتى يسرع أخي الحسن إلى الصلح معي فيدخل قبلي الجنة.

هذه درجة وخطوة عن نفسك.

وأبوهما رضي الله عنه لما أراد أن يجهز على عدوه ورفع السيف بصق الرجل في وجه علي فأغمد علي سيفه، فقيل له: لمَ لم تجهز عليه وأنت في معركة يا أمير المؤمنين؟ قال: رفعت السيف في أول مرة كي أضربه ابتغاء مرضات الله، فلما بصق على وجهي خشيت أن يكون قتلي له انتقاماً لنفسي، فأغمدت سيفي لكي لا أكون خاسراً يوم القيامة.

كذلك من سلك خطوة عن نفسك، كما قال عمر رضي الله عنه وهو يسير مرة مع الصحابة وابنه عبد الله بجواره فقال: رأيتني مرات وأنا أرعى الإبل للخطاب في هذا المكان، وكان رجلاً فظاً غليظ القلب، وصرت اليوم وليس فوقي أحد إلا الله رب العالمين، قال ابنه: يا أبت ماذا قلت؟ لم تعجب الكلمة عبد الله بن عمر كأنما لمح لمحة كبر في أبيه رضي الله عنه وحاشا لأمير المؤمنين عمر أن يكون متكبراً، فقال: يا بني! استشرفت نفسي-أي: أرادت أن تتكبر- فأردت أن أضعها أمام أصحابي، أي: أذكرهم بماضيَّ الذي كنت فيه فقيراً أرعى الإبل لأبي وكان فظاً غليظ القلب، فصرت اليوم أميراً للمؤمنين.

ولذلك لما عين سلمان الفارسي رضي الله عنه في زمن عمر حاكماً على بلاد فارس التي جاء منها ودخل إلى المدائن عاصمة كسرى سابقاً، دخل وعليه ثوب قصير، فقال له رجل من بلاد فارس: يا حمال! قال: نعم، قال: احمل حزمة الحطب هذه، فحمل سلمان رضي الله عنه حزمة الحطب، فلما رأى الصحابة وهم يستقبلون سلمان ويقولون: مرحباً بالأمير، مرحباً بالأمير، أسقط في يد الرجل، قال سلمان: لا عليك أخا الإسلام، أنت قلت: احمل يا حمال، فأنا حملت فصرت حمالاً، قال الرجل: ضعها لكي أحملها وتعفو عني، قال: والله لن أضعها إلا في المكان الذي تريد أن أوصلها إليك فيه، سبحان الله! هذه خطوة عن نفسك، فأنت إن أردت أن تصل إلى الجنة وتقطع القنطرة التي بينك وبين الجنة فعليك أن تخطو خطوة عن نفسك.

<<  <  ج: ص:  >  >>