للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أهمية وجود دواعي الهداية عند العبد]

عندما يشاء الله للعبد الهداية إنما ذلك بعد أن توجد دواعيها؛ لأن رب العباد أنزل الشرع وعلمه إيانا رسوله صلى الله عليه وسلم، وتركنا على المحجة البيضاء، وبالعامية: (هذه سكة السلامة وهذه سكة الندامة)، فبين طريق الهداية من طريق الغواية، ونؤكد أن ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم لـ أبي بكر قد قاله لـ أبي جهل، ولم يزد لـ أبي بكر ساعة زيادة، أي: لم يختص أبا بكر بساعة، أي: لم يقل له: تعال نعطيك درساً خصوصياً في الهداية، وكذلك لم يقل لـ علي بن أبي طالب تعال لنتكلم معك في الهداية ليل نهار، ولا نتكلم مع عمك أبي لهب إلا دقيقتين! فكما أوصل المعلومة لـ علي أوصلها لـ أبي لهب، وكما أوصلها لـ أبي بكر أوصلها لـ أبي جهل، فما الذي حدث؟ سعى أبو بكر فطرق ففُتح له فدخل، بينما أبو جهل أعرض وولى فأخذ ثمن إعراضه.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على هدايته، فكان يقول: (اللهم أعز الإسلام بأحب العمرين إليك) أي: عمرو بن هشام الذي هو أبو جهل، أو بـ عمر بن الخطاب، فلما بشر خباب بهذا الدعاء بدأ بـ عمرو بن هشام؛ لأنه أحد صناديد قريش، وبهدايته يهتدي كثير.

وقد أمضى الرسول صلى الله عليه وسلم وقتاً طويلاً معهم؛ طلباً لهدايتهم، حتى قال الله: {أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى} [عبس:٥ - ٦].

ولما وكل الأنصار إلى إيمانهم يوم حنين قال لهم: (لو شئتم لقلتم: جئت مكذباً فصدقناك، وعائلاً فأغنيناك، ولو قلتم لصدقتم وصدقتم، أما ترضون أن يعود الناس بالأسلاب والغنائم وتعودون أنتم برسول الله؟ قالوا: رضينا رضينا، وبكى القوم وابتلت لحاهم).

فالهداية أولاً من العبد؛ لأنها لو كانت مقصورة على أناس محددين فقط، لكنت عند أن تقول: يا فلان! لماذا لا تصلي؟ لقال لك: عندما يهديني الله، وإن قلت: يا فلانة! لماذا لا تتحجبين؟ لقالت: عندما يهديني الله، وإن قلت: يا فلان! لماذا لا تتوب من الربا فسيقول: عندما يهديني الله، وهكذا.

أو قد يقول: ادع لنا! وبدلاً من أن ندعو الله له فليسلك هو الخطوات، كالمدخن مثلاً، إن قلت له: لماذا تدخن؟ فيقول: يا شيخ ادع لنا! فأقول: والله دعائي أحد أمرين: إما أن يستجاب أو لا يستجاب، لكن إقلاعك أنت عن التدخين هذه هي الحقيقة الكائنة.

ونحن الآن قد عكسنا الدالة الحسابية، أي: يقول الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق:٢] ونحن قلنا: أوجد المخرج ثم أتق الله عز وجل.

فازرع شجرة التقوى يأتيك المخرج، ويثمر مخرجك، ولا تسأل عن المخرج وأنت لم تزرع.

والعبد هنا يريد أن يمتحن الله والله لا يمتحن، بل الله يمتحن عباده، لا أن يمتحن العباد ربهم، فلا ينبغي أن يقال: أوجد لي مخرجاً حتى أتقي، وفي قصص بني إسرائيل قال إبليس لعيسى: هل أنت روح الله؟ قال: نعم.

قال: فإذا كنت تحب الله فألق نفسك من فوق هذا الجبل، ولننظر كيف ينقذك رب العباد! قال: يا لعين! الله الذي يمتحن عباده، وليس للعبد أن يمتحن ربه.

فلا نقلب الموازين، ولا نجرب مع الله، فالله لا يجرب معه.

فلنكثر من العمل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن قال له: (يا رسول الله! ادع الله أن أكون رفيقاً لك في الجنة، فقال: أعني على نفسك بكثرة السجود) أي: صل واستقم وأنا أشفع لك، وهذا كما تقول لابنك: يا بني! مدير المدرسة أو رئيس الجامعة يعرفني، أو الأساتذة زملائي فإياك أن تفضحني أمامهم، ذاكر بجد حتى إذا كلمتهم أكون رافعاً رأسي، فيقولون: ما شاء الله ابنك خطه جميل، وإجابته جميلة، وهو منمق ومهذب، وسلوكه متميز؛ فيعطونك الدرجة، لا لأن أبيك من ضمن الفريق فيجاملونك لأجله.

حتى لجنة الرأفة نفس القضية، أي: لو أتينا للشفاعة لشخص أتى بثمانية وأربعين في المائة، وبقيت عليه درجتان لينجح، فهذا فيه شفاعة، أما شخص أتى بصفر في المائة، فهذا ليس له شفاعة! إذاً: فالحاصل أن حسن الخاتمة وسوءها مبني على سابقة الأعمال.

<<  <  ج: ص:  >  >>