للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[صور من أدب العظماء]

سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم قبل البعثة واعد شاباً من مكة أن ينتظره عند الحرم، فجلس سيدنا الحبيب ولم يأت هذا الشاب، فبعد أربعة أيام ذهب الشاب فوجد سيدنا الحبيب جالساً، فقاله له: في كل يوم في هذا الوقت آتي فأجلس هنا لكي لا أكون قد خالفت عهدي معك، وهذا قبل الرسالة، فانظر إلى الأخلاقيات! وأتى رجل إلى الإمام أبي حنيفة وكان يمشي في الشارع يذاكر مسألة فقهية، فقال له: يا إمام! فقال له: نعم، قال: عندي سؤال صغير، فقال له: سل فيه عالماً صغيراً! فهناك أناس من الخلق لهم أكبر الحقوق، مثل الوالدين: أبوك وأمك، فهؤلاء لهم أكبر الحقوق، فأدبك معهم: ألا تناديه باسمه، وألا تجلس بحضرته إلا إذا أذن لك، وألا تسير أمامه إلا إذا كان ليلاً، ولا تقل له: تعال، ولا ترفع الصوت عليه، ولا تجعله يبيت باكياً، وأظن أن هذا الكلام واضح جداً للشباب، ولن يدخل أحدٌ الجنة إلا برضاهما، (فالوالدان على بابين من أبواب الجنة، وإن كان واحداً فواحداً)، يعني: لو كان أبوك على قيد الحياة وأنت تبره فستدخل من باب من الجنة، وإن كنت تبر أباك وأمك فستدخل من بابين من الجنة تخير بينهما فتدخل من هذا أو من الآخر، ومن عقهما فلن يدخل الجنة، فإياكم وعقوق الوالدين، ولا توجد آية في كتاب الله تنهى عن الشرك إلا وتنهى عن العقوق، ولا آية تأمر بالتوحيد إلا وتأمر بالبر.

فإن قيل: فإذا مات الأب والأم ولم أبرهما فماذا أفعل؟ قلنا: ليست بمشكلة فالبر موجود أيضاً، وهو أن تبر صديقهما من بعدهما، تأتي في رمضان وتتصل بصديق أبيك الذي كان يزوركم، وتسأل عن أحواله وأخباره.

كان لسيدنا ابن عمر عمامة يحبها كثيراً لأن رسول الله صنعها له مرة، وذات مرة ذهب ليعتمر فلما أنهى العمرة ولبس ملابسه وعمامته لقي شخصاً فأخذ عمامته ووضعها على رأسه، فقيل له: لم فعلت هذا؟! فقال: كان والد هذا وداً لـ عمر بن الخطاب، يعني: صاحباً وخليلاً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صل ود أبيك)، وليس كالولد الذي قال لأبيه: لو كان مثلك في زمان المصطفى ما كان في القرآن بر الوالدين فهذا حق من الحقوق قد يضيع كالدعاء لهما، والاستغفار، وصلة صديقهما من بعدهما، والتصدق على روحيهما، وإن كان عليهما أيام صيام صام عنهما، وإن كان عليهما حج ولم يحجا ويسر الله له حج عنهما، فهذه من حقوق الوالدين.

أما قراءة القرآن فإنها لا تصل؛ لأن الله يقول: {لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا} [يس:٧٠] أي: ما زال في الدنيا، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذهب إلى قبر أو جلس في بيته وقرأ وقال: هذه القراءة لروح فلان.

لكن الواجب عليك تجاه الميت: أن تدعو له، وتذكر أنك ستصل بعده لهذه الحالة، هذا هو هدي حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم.

جزاكم الله خيراً، وبارك فيكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

<<  <  ج: ص:  >  >>