للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[غربة الزوجة في بيتها وبيئتها]

الذي يؤرقني ويزعجني أمران: فإن الرجل عندما يكون مهتدياً وزوجته بعيدة عن الهداية لا تكون المشكلة كما لو أن المرأة هي التي اهتدت والرجل هو البعيد عن الهداية، كما أن هذه أهون مما لو كان الولد هو الذي اهتدى إلى الطريق المستقيم والأب والأم بعيدان عن الهداية.

أما الموقف الأول: وهو غربة الزوجة في بيتها مع زوجها، فإنها عندما تعرف وتتذوق طعم الهداية فالرجل يصبح مثل المجنون، فلا تراه إلا شاكياً: ما هذا، كل لحظة حرام حلال، وتقوم تصلي الليل، وأستأذنك غداً أصوم الإثنين، وأستأذنك غداً أصوم الخميس، فيبدأ يعمل القيود والأوامر ليضيق عليها، فهذه نوع من الغربة الشديدة.

وهناك نوع آخر من الغربة يعيشه الشباب، فإني أعرف شاباً عمره قرابة العشرين أو خمس وعشرين سنة، يأتي أبوه بعد الساعة الحادية عشرة ليلاً ويغلق الباب ويأخذ المفتاح ليضعه تحت الوسادة؛ لكي لا ينزل الابن ليصلي الفجر في المسجد! فكيف ترى أمر هذا الشاب المستقيم على طريق الله، الذي لا يبعد أن الله يرحم هذه الأسرة من أجله، لكن المصيبة والطامة أن هذا الابن لو سهر في النادي إلى الساعة الواحدة، وأكمل سهرته على القهوة، يقول أبوه: لا إشكال لدي طالما أن ابني بعيد عن أصحاب المسجد والملتزمين! وكم من آباء وأمهات يبكون ويشكون مر الشكوى، يتمنى الواحد منهم لو أن ابنه يترك شتمه وأذاه.

ولذلك أقول: إن الغربة التي يشعر بها المؤمن سواء المستقيم في العائلة، أو المستقيم في المجتمع غربة ليست هينة، فإذا ذهبت أنت وزوجتك عند أقربائها للزيارة فيدخل ابن عمها: كيف حالك يا زينب؟ فتجيبه: أهلاً وسهلاً، فيمد يده ليصافح، فإذا امتنعت عن المصافحة لا تسمع إلا عبارات اللوم والتوبيخ: يبدو أنها انحرفت، وزوجها يشعر بالاستحياء والخجل؛ لأن زوجته أصبحت إرهابية عندما لا تصافح.

فالرجل يشعر أنه خطأ، رغم أنه سعيد أن امرأته لا تسلم، وأن امرأته أصبحت -بما يشبه- قطاعاً خاصاً وملكاً خاصاً له لا يلمسه أحد، فرغم قناعته بسلامة طريقة زوجته في التعامل مع الناس لكنه يستحي من صنيعها، فيقول لها: لا إشكال فهو ابن عمك، فتقول: عيب يا أستاذ! هو أجنبي، نعم هو في الفقه أجنبي.

فالأجنبي هو الذي يجوز له أن يتزوجها، يقول لك: يا أستاذ! عيب هذا في سن والدها، ف

السؤال

هل ينفع أن يتزوجها أم لا ينفع؟ يقول لك: يا أستاذ! كيف يتزوجها مادام هي زوجتي؟!

و

الجواب

ماذا لو طلقتها أنت هذا اليوم هل يصح لهذا أن يتزوجها؟ فيجيبك: نعم، يصح.

إذاً: فلا يجوز أن تسلم عليه.

ولك أن تنظر إلى السخرية التي تنال الموظفة كل صباح في المكتب لو تركت السلام، وأغرب من ذلك عندما تتحجب الموظفة، وطبعاً هي لا تتحجب الحجاب الكامل، فهي مثلاً: ترتدي شراباً شفافاً، وتضع منديلاً على رأسها لتخفي شعرها، ظناً منها أن شعرها هذا هو المصيبة، لكن نحرها ورجليها إذا انكشفت فلا إشكال عندها، ومع ذلك لا تسلم من اللوم والتعنيف والسخرية: هل تحجبتي؟! فتقول: الحمد لله، وحين يسأل الشيخ عن حجابها يقول لك: هذا ليس حجاباً، فتشعر أنها في حالة من الغربة شديدة.

والكارثة أنها حين تبتدئ متدرجة نحو الحجاب الصحيح حيث يصبح المنديل طرحة، والطرحة تصبح خماراً، تفاجأ بمن يقول لها: ما دمت تحجبت فإن زوجك سيتزوج عليك!! ولا ندري ما علاقة الحجاب بأن زوجها سيتزوج عليها؟ وحتى لو تزوج ما علاقة هذه بهذه؟! فتجد التعليلات السخيفة: لو تحجبت سينظر زوجك إلى الخارج.

سبحان الله! هل قيل لها تحجبي على زوجك، أم تحجبي على الغريب؟! بل قد يقول بعض الأزواج السذج مثل هذا الكلام.

سبحان الله! وهذا يدل على أن هذا الزوج ينظر إلى الخارج تحجبت أم لم تتحجب! فما علاقة أن المرأة تتحجب؟! والإسلام عندما شرع الحجاب هل اعتبر أن المرأة جالسة خارج البيت أربعاً وعشرين ساعة أو جالسة ساعة كل أسبوع في الخارج للضرورة؟! الحالة الثانية بالطبع، بمعنى: أن المرأة لا تخرج إلا للضرورة، وإن كانت تعمل فهي تعمل للضرورة، وإن كانت تخرج فهي تخرج مضطرة، إذاً فأكثر وقت المرأة في البيت، فهي قاعدة في البيت لا محتجبة.

والشيطان يأتي ويقول لها: لو تحجبتي فإن شعرك الناعم سيتساقط وتصبحين بلا شعر، فتخاف، وقد تحجم عن الحجاب إن كانت ضعيفة، ومنهم النساء التي بلغت ثمانين سنة أو ما يقاربها قد أبيض شعرها فتقول: اصبغوه لي بالأسود، ومع أن هناك صبغة غير الأسود، فإن من الحماقة فعل ذلك؛ إذ كيف لا يوجد أسنان وهناك شعر أسود!! كما أن رسولنا صلى الله عليه وسلم لما دخل عليه أبو قحافة والد سيدنا أبي بكر وهو في الثمانين من عمره، وقد أبيض شعر رأسه وشعر لحيته، قال: (غيروا هذا الشيب، وجنبوه السواد).

ليس أضنى لفؤادي من عجوز تتصابا وعليم يتغابى وجهول يملئ الأرض سؤالاً وجواباً وقال آخر يصف عجوزاً ذهبت إلى العطار تريد الزينة: ذهبت إلى العطار تبغي شبابها وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر فمن الحمق والغباء أن يطلب إعادة العمر إلى الوراء، إذ لكل سن رونق وجمال ووصف لا يشاركه غيره.

فالرجل العجوز تكبر معه امرأته، فليست متوقفة وهو الذي يكبر! فسن المرأة يكبر، فيكون الرجل عمره سبعون سنة وزوجته عمرها ستون أو خمسة وستون، وتكون مناسبة له، وأما التي يكون عمرها عشرين سنة فليست مناسبة له، وهذا أمر طبيعي أن السن له جمال في مكانه، وكل سن له وضعه، وفي الحديث: (حتى إذا بلغ العبد الستين قال الله للملائكة: أحسنوا إلى أسيري في الأرض، فإذا بلغ السبعين قال: تجاوزوا لعبدي عن سيئاته -أي: لو أخطأ خطأ لا تحاسبوه عليه-، فإذا بلغ الثمانين قال: عبدي شاب شعرك، واحدودب ظهرك، ووهن عظمك، فاستحي مني فإني أستحي أن أعذبك)، فكبير السن يستحي الله منه وهو غير مستح من نفسه، سبحان الله!

<<  <  ج: ص:  >  >>