للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الغربة العامة وصفة أهلها]

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أوضح الحجة، وأتم المحجة، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كفر الكافرون.

وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، اللهم صل عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم، أولئك لهم الأمن وهم مهتدون.

أما بعد: أيها الإخوة المسلمون! إننا نعيش عصر الغربة الذي أخبرنا به الصادق المعصوم صلى الله عليه وسلم عندما قال: (إن هذا الدين سوف يعود غريباً كما بدأ غريباً، فطوبى للغرباء، قيل: ومن الغرباء يا رسول الله! قال: المستمسكون بسنتي عند فساد أمتي).

من هم أهل الغربة؟ من هي الفرقة الناجية التي حدثنا عنها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في قوله: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وصحابتي).

فالغربة ثلاثة أقسام: غربة عامة، وغربة خاصة، وغربة أخص.

فالغربة العامة: هي التي يحياها المسلمون في العالم اليوم.

والغربة الخاصة: هي التي تحياها الفرقة الناجية التي تحدث عنها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.

والغربة الأخص: هي غربة الفرقة المنصورة التي وعدها رب العباد سبحانه وتعالى بالتمكين في الأرض، وبالنصر على العدو.

ما صفات هذه الغربة العامة؟ وما صفات الغربة الخاصة؟ وما خصائص الفرقة المنصورة؟ وما هي أخلاقيات جيل النصر الذي نتوخاه في شبابنا، وفي نسائنا، وفي كبارنا وصغارنا، بعد أن رمانا أعداؤنا عن قوس واحدة من خارج دول الإسلام ومن تلاميذهم في داخل دول الإسلام؟ نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينصر دينه، وأن يعلي كلمته، بعز عزيز أو بذل ذليل، اللهم انصر دينك يا رب العالمين.

هذه غربة عامة يحياها المسلمون في العالم اليوم، فقد اجتمع العدو الحاقد الذكي مع بعض الأغبياء من المتمسلمين في جعل الإسلام غريباً على هذا المجتمع، والمجتمع العالمي الذي يريد أن يصف نفسه بالحرية والإخاء، والنزعة الإنسانية العالمية، والشرعية الدولية.

إننا نحيا غرباء في هذا العالم، فقد أخذوا الفتات المتساقط من حول موائدنا عبر التاريخ وأنشئوا به حضارات، ثم بعد ذلك امتصوا دماءنا، وأخذوا خيراتنا، واستعمروا بلادنا الإسلامية، وكانت بلادنا كلها من الهند شرقاً إلى الأندلس غرباً عبارة عن أماكن للمصانع والمنتجات الأوروبية فالغربية، المواد الخام تؤخذ من بلادنا لتصنع هناك وليعاد بيعها مرة أخرى لنا بالملايين، وبعد أن كنا دائنين صرنا مدينين، وبعد أن كنا أقوياء صرنا ضعفاء.

فلقد تداعت الأمم علينا كما نبأنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: (سوف تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها، قالوا: أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، تنزع المهابة من قلوب عدوكم لكم، وتصابون بالوهن، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الحياة وكراهية الموت).

حتى إن كل إنسان منا يقول: أنا أريد أن أربي عيالي وأنفق على أسرتي، فلا أريد مشاكل، وأنا أصلي في مسجد قريب؛ لكي لا تأتي إلي مشكلة، وعندئذ أصبنا بالوهن؛ لأننا أحببنا أن نخلد في الحياة الدنيا كهذا الذي أخلد إلى الأرض، وترك آيات ربه، قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف:١٧٥ - ١٧٦].

اللهم اجعلنا من الآمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر، القائلين الحق ولا يخافون فيك يا رب العالمين لومة لائم، إنك على ما تشاء قدير.

هذه غربة عامة نحياها كمسلمين، وينظر العالم اليوم إلى عالمنا الإسلامي على أنه العالم الثالث، يعني: العالم الأخير، لأنه ليس هناك عالم رابع، فنحن في ذيل قائمة الأمم، وفي المقابل نحن في أول الأمم الفقيرة المتنافرة المتناحرة على كراسي الحكم، وعلى أمور ما أقرها كتاب الله، ولا أقرتها سنة الصادق المعصوم صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>