للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بيان معنى قوله تعالى: (لا ريب فيه)]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والريب: الشك، قال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود رضي الله عنه وعن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة:٢]: لا شك فيه.

وقاله أبو الدرداء وابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وأبو مالك ونافع مولى ابن عمر وعطاء وأبو العالية والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان والسدي وقتادة وإسماعيل بن أبي خالد، وقال ابن أبي حاتم: لا أعلم في هذا خلافاً].

قوله: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة:٢] يعني: هذا القرآن العظيم لا شك فيه ولا مرية فيه أنه منزل من عند الله على محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه حق.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد يستعمل الريب في التهمة، قال جميل: بثينة قالت يا جميل أربتني فقلت كلانا يا بثين مريب] قولها: (أربتني): معناه: اتهمتني، فقال: كلانا متهم.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واستعمل أيضاً في الحاجة، كما قال بعضهم: قضينا من تهامة كل ريب وخيبر ثم أجممنا السيوفا].

يعني: كل حاجة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومعنى الكلام هنا أن هذا الكتاب -وهو القرآن- لا شك فيه أنه نزل من عند الله، كما قال تعالى في السجدة: {الم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [السجدة:١ - ٢].

وقال بعضهم: هذا خبر ومعناه النهي، أي: لا ترتابوا فيه.

ومن القراء من يقف على قوله تعالى: ((لا رَيْبَ)) ويبتدئ بقوله تعالى: {فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:٢]، والوقف على قوله تعالى: {لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة:٢] أولى للآية التي ذكرناها].

يعني آية (تنزيل) السجدة؛ لأن القرآن يفسر بعضه بعضاً، فمن القراء من يقف على الكتاب من قوله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:٢]، ويجعل لفظ: (فيه) تابعاً للجملة التي بعده، والأرجح أن معنى قوله تعالى: {لا رَيْبَ فِيهِ} أي: لا شك فيه، كما في آية السجدة؛ لأن القرآن يفسر بعضه بعضاً.

والنفي الوارد في أسماء الله وصفاته يتضمن إثبات ضده من الكمال، فمثلاً: نفي الظلم في قوله: {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف:٤٩] يتضمن كمال العدل، فهو لا يظلم أحداً لكمال عدله.

وقوله: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [البقرة:٢٥٥] لكمال حياته وقيوميته، وقوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام:١٠٣] لكمال عظمته وأنه أكبر من كل شيء، وهكذا، فكل نفي إنما يتضمن إثبات ضده من الكمال، أما النفي المحض فلا مدح فيه.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولأنه يصير قوله تعالى: {هُدًى} [البقرة:٢] صفة للقرآن، وذلك أبلغ من كون (فيه هدى).

و (هدى): يحتمل من حيث العربية أن يكون مرفوعاً على النعت ومنصوباً على الحال].

المؤلف رحمه الله تعالى رجح ما ذهب إليه بمرجحات منها: أولاً: أن الوقف على قوله: {لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة:٢] قد جاء في آية أخرى، بمعنى: لا شك فيه.

ثانياً: أن (هدىً) وصف للقرآن كله إذا ابتدأ نابه في قوله: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:٢] يعني: هو هدى للمتقين.

وقوله: [(وهدى) يحتمل من حيث العربية أن يكون مرفوعاً على النعت ومنصوباً على الحال] معناه أنه نعت للكتاب، أو منصوب على الحال.