للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرد على المعتزلة في تفسير الختم والطبع]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال ابن جرير: وقال بعضهم: إنما معنى قوله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [البقرة:٧].

إخبار من الله عن تكبرهم وإعراضهم عن الاستماع لما دعوا إليه من الحق، كما يقال: إن فلاناً أصم عن هذا الكلام: إذا امتنع من سماعه ورفع نفسه عن تفهمه تكبرًا.

قال: وهذا لا يصح؛ لأن الله تعالى قد أخبر أنه هو الذي ختم على قلوبهم وأسماعهم.

قلت: وقد أطنب الزمخشري في تقرير ما رده ابن جرير هاهنا وتأول الآية من خمسة أوجه، وكلها ضعيفة جدًا، وما جرأه على ذلك إلا اعتزاله؛ لأن الختم على قلوبهم ومنعها من وصول الحق إليها قبيح عنده يتعالى الله عنه في اعتقاده].

هذه هو اعتقادهم؛ لأن المعتزلة يرون أن الله تعالى ما أضل الكافر ولا هدى المؤمن، وإنما المؤمن هو الذي يهدي نفسه والكافر هو الذي يضل نفسه، هكذا يعتقد المعتزلة، ويؤولون قوله تعالى: {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [النحل:٩٣] بأن معنى (يهدي): يسميه مهتدياً، و (يضل): يسميه ضالاً، وقالوا: ليس لله نعمة دينية خص بها المؤمن، ولم يضل الكافر، بل هذا اختار الهداية بنفسه وهذا اختار الضلالة بنفسه.

وهذا مبني على مذهبهم في وجوب الأصلح على الله، فلهذا رد ابن جرير هذا القول، والزمخشري أثبته من خمسة وجوه حتى يقرر مذهبه؛ لأنه يتناسب مع اعتزاله، ولهذا ينبغي لطالب العلم أن يحذر من التفاسير المحشوة بالبدع مثل تفسير الزمخشري وغيره، فإنه يجر الإنسان إلى معتقده وهو لا يشعر، ولهذا قال البوصيري: استخرجت من الكشاف اعتزالاً بالمناقيش.

يعني: يؤخذ بالمنقاش الشيء الخفي، ومن ذلك أنه قال في قوله عز وجل: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران:١٨٥] قال: أي فوز أعظم من الجنة؟! وسكت، ومقصوده من هذا إنكار رؤية الله في الآخرة، وإنكار رؤية المؤمنين لربهم، فقال: ليس هناك شيء أعظم من الجنة، ومقصوده إنكار الرؤية، لكن لا يعلم بهذا إلا الخواص، ولا يعلم بهذا إلا من عنده بصيرة، أما غيره فيفهمه على أنه صحيح، وأي فوز أعظم من الجنة؟! فعلى طالب العلم أن يحذر، ولا ينبغي للمبتدئين أن يقرءوا كتب الزمخشري وغيره، لكن طالب العلم الذي عنده بصيرة يستفيد منه من جهة البلاغة ومن جهة المعاني.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: وقد أطنب الزمخشري في تقرير ما رده ابن جرير هاهنا، وتأول الآية من خمسة أوجه، وكلها ضعيفة جداً، وما جرأه على ذلك إلا اعتزاله؛ لأن الختم على قلوبهم ومنعها من وصول الحق إليها قبيح عنده يتعالى الله عنه في اعتقاده، ولو فهم قوله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف:٥]، وقوله: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام:١١٠] وما أشبه ذلك من الآيات الدالة على أنه تعالى إنما ختم على قلوبهم وحال بينهم وبين الهدى جزاء وفاقاً على تماديهم في الباطل وتركهم الحق، وهذا عدل منه تعالى حسن وليس بقبيح، فلو أحاط علماً بهذا لما قال ما قال، والله أعلم].

قال تعالى: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [النحل:١١٨] فهم الذين تركوا الحق وأعرضوا عنه وصدوا عنه، ولم يقبلوه بعد وضوحه، لا عن جهل، قال سبحانه: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [فصلت:١٧] فقوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} [فصلت:١٧] يعني: بينا لهم طريق الخير وطريق الشر، فاستحبوا العمى على الهدى ولم يقبلوا الحق.