للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مناسبة ذكر القدرة في الآية الكريمة]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [((وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) قال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة -أو سعيد بن جبير - عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: ((وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ)) قال: لما تركوا من الحق بعد معرفته، ((إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) قال ابن عباس رضي الله عنهما: أي: إن الله على كل ما أراد بعباده من نقمة أو عفو قدير.

وقال ابن جرير: إنما وصف الله تعالى نفسه بالقدرة على كل شيء في هذا الموضع؛ لأنه حذر المنافقين بأسه وسطوته، وأخبرهم أنه بهم محيط، وعلى إذهاب أسماعهم وأبصارهم قدير، ومعنى ((قدير)) قادر، كما أن معنى (عليم) عالم].

ومناسبة ختم هذه الآية ببيان قدرته على كل شيء أن هؤلاء المنافقين ما استعملوا أسماعهم وأبصارهم وقلوبهم فيما ينفعهم، بل استعملوها فيما يضرهم، وقد حذرهم الله من ذلك وخوفهم وأخبرهم بأنه قادر على أن يسلب أسماعهم وأبصارهم وألسنتهم الحسية، كما سلب أسماعهم وأبصارهم وألسنتهم المعنوية.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وذهب ابن جرير الطبري ومن تبعه من كثير من المفسرين إلى أن هذين المثلين مضروبان لصنف واحد من المنافقين، وتكون (أو) في قوله تعالى: ((أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ)) بمعنى الواو، كقوله تعالى: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان:٢٤]].

يعني: آثماً وكفوراً، وقوله: (أو كصيب) أي: وكصيب.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أو تكون للتخيير، أي: اضرب لهم مثلاً بهذا وإن شئت بهذا.

قال القرطبي: (أو) للتساوي، مثل: جالس الحسن أو ابن سيرين، على ما وجهه الزمخشري أن كلاً منهما مساوٍ للآخر في إباحة الجلوس إليه، ويكون معناه على قوله: سواء ضربت لهم مثلاً بهذا أو بهذا فهو مطابق لحالهم.

قلت: وهذا يكون باعتبار جنس المنافقين، فإنهم أصناف ولهم أحوال وصفات كما ذكرها الله تعالى في سورة براءة: (ومنهم) (ومنهم) (ومنهم)، يذكر أحوالهم وصفاتهم وما يعتمدونه من الأفعال والأقوال، فجعْل هذين المثلين لصنفين منهم أشد مطابقة لأحوالهم وصفاتهم -والله أعلم- كما ضرب المثلين في سورة النور لصنفي الكفار الدعاة والمقلدين في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور:٣٩] إلى أن قال: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ} [النور:٤٠]، فالأول للدعاة الذين هم في جهل مركب، والثاني لذوي الجهل البسيط من الأتباع المقلدين، والله أعلم بالصواب.

الأقرب ما ذكره المؤلف رحمه الله واختاره، وهو أنهم صنفان، وأن المثل الأول للكفار وللمنافقين الخلَّص، والمثل الثاني: للذين عندهم شك وريب، ويتفاوت عذابهم على حسب تفاوت الكفر.