للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التنديد الأصغر]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفي الحديث الآخر: (لا يقولن أحدكم: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن ليقل: ما شاء الله ثم شاء فلان)].

هذا من التنديد الأصغر، وسيأتي أن التنديد نوعان: تنديد أكبر، وهو مخرج من الملة، وتنديد أصغر، وهو ما كان وسيلة إلى الشرك الأكبر، مثل: (ما شاء الله وشئت)، ولولا الله وأنت، كما سيأتي عن ابن عباس في تفسير الآية.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال حماد بن سلمة: حدثنا عبد الملك بن عمير عن ربعي بن حراش عن الطفيل بن سخبرة أخي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها لأمها قال: (رأيت فيما يرى النائم كأني أتيت على نفر من اليهود فقلت: من أنتم؟ فقالوا: نحن اليهود، قلت: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: عزير ابن الله، قالوا: وإنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، قال: ثم مررت بنفر من النصارى فقلت: من أنتم؟ قالوا: نحن النصارى، قلت: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: المسيح ابن الله، قالوا: وإنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، فلما أصبحت أخبرت بها من أخبرت، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: هل أخبرت بها أحداً؟ قلت: نعم، فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد: فإن طفيلاً رأى رؤيا أخبر بها من أخبر منكم، وإنكم قلتم كلمة كان يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها، فلا تقولوا: ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا: ما شاء الله وحده)].

هذه الرؤيا أقرها النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله: (قلتم كلمة كان يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها) جاء في بعض الروايات أنه كان يمنعه الحياء، وإنما منعه الحياء لأن الله لم يأمره بنهيهم عنها، ولو أمره الله بنهيهم عنها لما منعه الحياء، فكان هذا الأمر جائزاً في أول الإسلام، فكانوا يقولون: (ما شاء الله وشئت) في أول الهجرة، وكانوا يحلفون بآبائهم، ثم جاء النهي بعد ذلك عن الحلف بغير الله، والنهي عن قول (ما شاء الله وشئت)، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تحلفوا بآبائكم ولا بالأنداد، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت).

وقد كانت هذه الرؤيا سبباً في التشريع، وفيها أن اليهود والنصارى فهموا أن قوله المسلمين: (ما شاء الله وشاء محمد) من الشرك الأصغر، ولم يفهموا ولم يفقهوا ما هم عليه من الشرك الأكبر، فاليهود يقولون: عزير ابن الله، والنصارى يقولون: المسيح ابن الله، وهذا شرك أكبر وكفر وردة عن الإسلام، فأنكروا على المسلمين قولهم: ما شاء الله وشاء محمد، ولم ينظروا إلى ما هم فيه من الشرك الأكبر، وهذا يدل على أن الخاسر والخائب لا ينظر إلى عيبه وإنما ينظر إلى عيوب الآخرين.

وهذا من الأحاديث التي نقلها الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في (كتاب التوحيد) في باب: (ما شاء الله وشئت).

وليس في الحديث السابق تأخير البيان عن وقت الحاجة، فالنبي عليه الصلاة والسلام لم يؤمر بأن ينهاهم، فقد كان هذا الأمر جائزاً في أول الإسلام، وكانت هذه الرؤيا سبباً في تشريع النهي عن قول (ما شاء الله وشئت)، فكانوا في الأول الأمر يقولون: ما شاء الله وشئت، وكانوا يحلفون بآبائهم، ثم استقرت الشريعة ونهي عن الحلف بغير الله، ونهي عن قول: ما شاء الله وشئت.

وفي الحديث دليل على أنه يجوز للإنسان أن يقول: (ما شاء الله ثم شئت)، فهناك فرق بين (الواو) و (ثم)؛ فالواو تفيد التشريك بين المعطوف والمعطوف عليه، أما (ثم) فإنها تفيد الترتيب والتراخي، والمعنى أن مشيئة الله أولاً ثم تأتي مشيئة المخلوق متراخية بعد مشيئة الله، أما الواو فإنها تفيد التشريك ولا تفيد الترتيب، فلهذا نهي عنها.

إذاً: فهناك ثلاث حالات: الحالة الأولى: أن يقول: ما شاء الله وشئت، وهذا شرك أصغر.

والحالة الثانية: أن يقول: ما شاء الله ثم شئت، وهذه جائزة.

والحالة الثالثة: أن يقول: ما شاء الله وحده، وهذه أفضل الحالات.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [هكذا رواه ابن مردويه في تفسير هذه الآية من حديث حماد بن سلمة به، وأخرجه ابن ماجة من وجه آخر عن عبد الملك بن عمير به بنحوه.

وقال سفيان بن سعيد الثوري عن الأجلح بن عبد الله الكندي عن يزيد بن الأصم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت، فقال: أجعلتني لله نداً؟ قل: ما شاء الله وحده)، رواه ابن مردويه، وأخرجه النسائي، وابن ماجة من حديث عيسى بن يونس عن الأجلح به.

وهذا كله صيانة، وحماية لجناب التوحيد، والله أعلم].

قوله: (ما شاء الله وحده) هذا هو الأكمل، وقوله: (أجعلتني لله نداً)، التنديد نوعان: تنديد أكبر، وتنديد أصغر، وهو كما جاء فيه الحديث: ما شاء الله وشئت، وهو وسيلة إلى الشرك الأكبر.