للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عموم الأمر بعبادة الله تعالى]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة -أو سعيد بن جبير - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ)) للفريقين جميعاً من الكفار والمنافقين، أي: وحدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم].

لا شك في أن هذا الأمر للفريقين: للمؤمنين والكفار، فكل واحد من الجن والإنس من المؤمنين والكفار مأمور بهذا الأمر: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ)) أي: وحدوه وأخلصوا له العبادة، فليس لهم الخيرة في هذا.

وقد انقسم الناس إلى فريقين: فمنهم من أطاع الله، وهم الموحدون، ومنهم من أشرك بالله، وهم الكفرة من اليهود والنصارى وغيرهم، وهذا حاصل في أهل الأرض، وأما أهل السماء فهم كما قال الله {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:٦].

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وبه عن ابن عباس: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أي: لا تشركوا بالله غيره من الأنداد التي لا تنفع ولا تضر].

قوله: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ)) من الخطابات العامة التي تشمل كل أحد، والله تعالى يوجه الخطاب تارة بقوله: (يا أيها الذين آمنوا) كقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر:١٨] وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران:١٠٢]، وأحياناً بقوله: (يا أيها الناس)، كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة:٢١] كما في هذه الآية، وقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [النساء:١]، وقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ} [لقمان:٣٣]، وهذا عام للمؤمنين وللكفار، وللذكور والإناث.

فكل واحد مأمور بأن يعبد الله ويوحده، وكل واحد مأمور بأن يتقي الله ويستقيم على طاعته، حتى ينقذ نفسه من النار.

وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوماً فقال: (يا أيها الناس!) وكانت أم سلمة لها ماشطة تمشطها، فقالت: كفي عني، وأرادت أن تسمع خطبة النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت الماشطة: إنه يقول: (يا أيها الناس، فقالت: أنا من الناس).

فقوله: (يا أيها الناس) يشمل الذكور والإناث، والمؤمنين والكفار من الثقلين.

والخطاب في قوله: (يا أيها الذين آمنوا) وجه إلى المؤمنين؛ لأنهم هم الذين يقومون بالأوامر والنواهي، وهم الذين ينقادون، وهم الذين ينتفعون، فلذلك وجه الخطاب إليهم، ويوجه خطاب في موضع آخر إلى الناس جميعاً.