للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[النهي عن الشرك بالله، وأمثلة الأصغر منه]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وبه عن ابن عباس: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:٢٢] أي: لا تشركوا بالله غيره من الأنداد التي لا تنفع ولا تضر وأنتم تعلمون أنه لا رب لكم يرزقكم غيره، وقد علمتم أن الذي يدعوكم إليه الرسول صلى الله عليه وسلم من التوحيد هو الحق الذي لا شك فيه، وهكذا قال قتادة.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم حدثنا أبي عمرو حدثنا أبي الضحاك بن مخلد أبو عاصم حدثنا شبيب بن بشر حدثنا عكرمة عن ابن عباس في قول الله عز وجل: ((فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا)) قال: الأنداد هو الشرك، وهو أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل، وهو أن يقول: والله وحياتك يا فلان، وحياتي، ويقول: لولا كلبة هذا لأتانا اللصوص البارحة، ولولا البط في الدار لأتى اللصوص، وقول الرجل لصاحبه: ما شاء الله وشئت، وقول الرجل: لولا الله وفلان، لا تجعل فيها فلاناً، هذا كله به شرك].

قوله: [حدثني أبي عمرو] هو والد أحمد بن عمرو، وقوله: [حدثنا أبي الضحاك بن عمرو] هو والد عمرو.

وهذا فيه دليل على أن هذا من التنديد الأصغر، وهو وسيلة إلى الشرك الأكبر، وذلك كالحلف بغير الله، مثل: والله وحياتك يا فلان، وحياتي، وكقول الرجل: لولا كلبة هذا لأتى اللصوص، ولولا البط في الدار لأتى اللصوص، فيضاف الشيء إلى السبب، وإن كان المسبب هو الله تعالى، والصواب أن يقول: لولا الله ثم هذا السبب.

وأما ما جاء في الحديث: (لولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار) فيحتمل أن بعض الرواة رواه بالمعنى، ويحتمل أن هذا كان أولاً قبل النهي عنه، كما كانوا في أول الأمر يحلفون بآبائهم، ثم نهوا عن الحلف بغير الله، وكما كان قبل النهي عن قول: ما شاء الله وشئت.

يقول ابن القيم في الميمية عن الصحابة: لولاهمو ما كان في الأرض مسكين ولولاهمو كادت تميد بأهلها وهكذا.

وقد نقل الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن شيخ الإسلام ابن تيمية أن إسناد الشيء إلى الأسباب هو كقولهم: كانت الريح طيبة والملاح حاذقاً، وغير هذا مما هو جار على ألسنة الكثير، نقل ذلك في كتاب التوحيد في قوله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} [النحل:٨٣] ومثل قول بعضهم: السيارة جديدة، والسائق جيد إذا وصلوا -مثلاً- بسرعة، وكل هذا من الإضافة إلى السبب، والذي ينبغي هو أن يذكر المسبب، وهو الله، وهو المنعم سبحانه وتعالى.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفي الحديث أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما شاء وشئت.

فقال: أجعلتني لله ندا؟!)، وفي الحديث الآخر: (نعم القوم أنتم لولا أنكم تنددون تقولون: ما شاء الله وشاء فلان).

قال أبو العالية: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا} [البقرة:٢٢] أي: عدلاء شركاء].

كل هذا -كما سبق- من التنديد الأصغر لا يخرج من الملة، وإنما هو وسيلة إلى الشرك الأكبر.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهكذا قال الربيع بن أنس وقتادة والسدي وأبو مالك وإسماعيل بن أبي خالد.

وقال مجاهد: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:٢٢] قال: تعلمون أنه إله واحد في التوراة والإنجيل].