للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بيان معنى قوله تعالى: (فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة)]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله تعالى: {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:٢٤]، أما الوقود -بفتح الواو- فهو ما يلقى في النار لإضرامها كالحطب ونحوه، كما قال تعالى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجن:١٥]، وقال تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ * لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ} [الأنبياء:٩٨ - ٩٩]، والمراد بالحجارة هاهنا: هي حجارة الكبريت العظيمة السوداء الصلبة المنتنة، وهي أشد الأحجار حراً إذا حميت أجارنا الله منها].

الوقود ما توقد به النار، نسأل الله السلامة والعافية، والله تعالى أخبرنا أن وقود نار جهنم الناس والحجارة، ولم يبين لنا ما هي هذه الحجارة، هل هي حجارة الكبريت أو غيرها؟ وهذا يحتاج إلى دليل، والمؤلف رحمه الله ذكر آثاراً، لكن ليس فيها حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأما قوله: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجن:١٥]، فالقاسطون: هم الظالمون، من (قَسَطَ) فهو قاسط، من الثلاثي، أما (المقسطون) فهي من (أقسط) من الرباعي، فهم العادلون، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (المقسطون على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين)، وفرق بين القاسط والمقسط، فالقاسط هو الظالم، يقال: قسط فهو قاسط، وأما (أقسط) فمتعدٍ بالهمزة، يقال: أقسط فهو مقسط، وهو العادل، والفرق بينهما أن هذا ثلاثي وهذا متعد.

وفيه أن أهل النار يلقون في النار هم ومعبوداتهم من دون الله، كما قال سبحانه: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء:٩٨]، فما عبد من دون الله يلقى في النار مع عابديه زيادة في تعذيبهم، فمن عبد الشمس يلقى في النار معها، وكذلك القمر، وكذلك الحجارة التي تعبد، إلا الأنبياء والصالحين فمن عبد من دون الله وهو لم يرض، فليس كذلك، ولهذا قال سبحانه بعد ذلك: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء:١٠١].

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال عبد الملك بن ميسرة الزراد عن عبد الرحمن بن سابط عن عمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى: {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [البقرة:٢٤] قال: هي حجارة من كبريت خلقها الله يوم خلق السماوات والأرض في السماء الدنيا يعدها للكافرين.

رواه ابن جرير -وهذا لفظه- وابن أبي حاتم والحاكم في مستدركه وقال على شرط الشيخين].

ويحتمل أنه أخذه عن بني إسرائيل، وإن كان أخذ ابن مسعود رضي الله عنه عن بني إسرائيل قليلاً.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة: (اتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة) أما الحجارة فهي من كبريت أسود يعذبون به مع النار.

وقال مجاهد: حجارة من كبريت أنتن من الجيفة، وقال أبو جعفر محمد بن علي: حجارة من كبريت.

وقال ابن جريج: حجارة من كبريت أسود في النار، وقال لي عمرو بن دينار: أصلب من هذه الحجارة وأعظم].

ولا شك في أنها عظيمة تليق بعظم جنهم، نسأل الله العافية.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقيل: المراد بها: حجارة الأصنام والأنداد التي كانت تعبد من دون الله، كما قال تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء:٩٨] الآية، حكاه القرطبي والرازي، ورجحه على الأول].

لا شك في أن الحجارة التي تعبد من دون الله تكون في جهنم، كما قال الله: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء:٩٨]، لكن الحجارة التي هي وقود النار غير الحجارة التي تعبد من دون الله، فالحجارة التي تعبد من دون الله تجعل في جهنم مع عابديها زيادة في تعذيبهم، والحجارة الأخرى هي حجارة من وقود جهنم، نعوذ بالله، ونسأل الله العافية.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حكاه القرطبي والرازي ورجحه على الأول، قال: لأن أخذ النار في حجارة الكبريت ليس بمستنكر، فجعلها هذه الحجارة أولى].

يعني الحجارة المعبودة من دون الله.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهذا الذي قاله ليس بقوي، وذلك أن النار إذا أضرمت بحجارة الكبريت كان ذلك أشد لحرها وأقوى لسعيرها، ولا سيما على ما ذكره السلف من أنها حجارة من كبريت معدة لذلك، ثم أخذ النار بهذه الحجارة أيضاً مشاهد، وهذا الجص يكون أحجاراً فيعمل فيه بالنار حتى يصير كذلك، وكذلك سائر الأحجار تفخرها النار وتحرقها، وإنما سيق هذا في حر هذه النار التي وعدوا بها وشدة ضرامتها وقوة لهبها، كما قال تعالى: {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} [الإسراء:٩٧]].

ولا شك في أن الحجارة حجارة من وقود جهنم، وهي غير الحجارة المعبودة من دون الله، فالحجارة المعبودة من دون الله تلقى في النار مع من عبدها، كما تلقى الشمس والقمر وجميع المعبودات، كما قال تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء:٩٨]، لكن الأنبياء والصالحين ممن عبد من دون الله وهو يرفض مسنثنون، كما قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء:١٠١].

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهكذا رجح القرطبي أن المراد بها الحجارة التي تسعر بها النار لتحمر ويشتد لهبها، قال: ليكون ذلك أشد عذاباً لأهلها، قال: وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كل مؤذٍ في النار)، وهذا الحديث ليس بمحفوظ ولا معروف، ثم قال القرطبي: وقد فسر بمعنيين: أحدهما: أن كل من آذى الناس دخل النار، والآخر: أن كل ما يؤذي في النار يتأذى به أهلها من السباع والهوام وغير ذلك].

وعلى كل إذا كان الحديث غير محفوظ فلا حاجة للمعنيين، فالحديث ليس بصحيح، ولو كان محفوظاً فإنه يبحث عن تأويله، أما إذا كان ليس بصحيح وغير محفوظ فلا حاجة إلى تأويله.

وقد ذكر الزمخشري والخطابي في ترجمة عثمان الأشج المعروف بـ ابن أبي الدنيا وابن عساكر في تاريخ دمشق: ذكر أنه سمع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، قال الخطيب: وعثمان عندي ليس بشيء، قال ابن حجر في اللسان: عثمان بن الخطاب أبو عمرو البلوي المغربي أبو الدنيا الأشج، ويقال: ابن أبي الدنيا، وقال: كذاب طرقي -يعني: من الطرقية الصوفية- حدث بعد الثلاثمائة وادعى السماع من علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وعلى كل حال فـ الأشج المعمر كذاب من باب رتن الدجال.

فالحديث موضوع مكذوب، وإذا كان موضوعاً فلا حاجة إلى الاشتغال بتأويله، فقد قال رحمه الله: وله معنيان، إذاً: هذا التعليق من الحافظ، وعلى هذا فلا لوم على القرطبي لأنه ظن أن له أصلاً، فلذلك ذكر في تأويله معنيين.