للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم)]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قوله تعالى: {قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة:٣٣] قال زيد بن أسلم قال: أنت جبرائيل، أنت ميكائيل، أنت إسرافيل حتى عدد الأسماء كلها حتى بلغ الغراب، وقال مجاهد في قول الله: {قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِم} [البقرة:٣٣] قال: اسم الحمامة والغراب واسم كل شيء.

وروي عن سعيد بن جبير والحسن وقتادة نحو ذلك، فلما ظهر فضل آدم عليه السلام على الملائكة عليهم السلام في سرده ما علمه الله تعالى من أسماء الأشياء قال الله تعالى للملائكة: {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة:٣٣].

أي: ألم أتقدم إليكم أني أعلم الغيب الظاهر والخفي، كما قال تعالى: {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه:٧]، وكما قال إخباراً عن الهدهد أنه قال لسليمان: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} [النمل:٢٥] {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل:٢٦].

وقيل في قوله تعالى: {وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة:٣٣] غير ما ذكرناه، فروى الضحاك عن ابن عباس: {وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة:٣٣]، قال: أعلم السر كما أعلم العلانية، يعني: ما كتم إبليس في نفسه من الكبر والاغترار.

وقال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة قال قولهم: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} [البقرة:٣٠] الآية فهذا الذي أبدوا.

{وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة:٣٣] يعني: ما أسر إبليس في نفسه من الكبر، وكذلك قال سعيد بن جبير ومجاهد والسدي والضحاك والثوري، واختار ذلك ابن جرير، وقال أبو العالية والربيع بن أنس والحسن وقتادة هو قولهم: لم يخلق ربنا خلقاً إلا كنا أعلم منه وأكرم عليه منه.

وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس: {وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة:٣٣] فكان الذي أبدوا هو قولهم: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} [البقرة:٣٠] وكان الذي كتموا بينهم هو قولهم: لن يخلق ربنا خلقاً إلا كنا أعلم منه وأكرم، فعرفوا أن الله فضل عليهم آدم في العلم والكرم.

وقال ابن جرير: حدثنا يونس حدثنا ابن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قصة الملائكة وآدم فقال الله للملائكة: كما لم تعلموا هذه الأسماء فليس لكم علم إنما أردت أن أجعلهم ليفسدوا فيها، هذا عندي قد علمته فكذلك أخفيت عنكم أني أجعل فيها من يعصيني ومن يطيعني، قال وقد سبق من الله: {لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [هود:١١٩].

قال: ولم تعلم الملائكة ذلك ولم يدروه، فقال: فلما رأوا ما أعطى الله آدم من العلم أقروا له بالفضل، وقال ابن جرير: وأولى الأقوال في ذلك قول ابن عباس وهو: أن معنى قوله تعالى: {وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ} [البقرة:٣٣] وأعلم مع علمي غيب السموات والأرض، وما تظهرونه بألسنتكم وما كنتم تخفون في أنفسكم، فلا يخفى علي أي شيء،، سواء عندي سرائركم وعلانيتكم].

هذا هو الصواب وهو أنه عام: {وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة:٣٣] أي: ما يبديه الملائكة وما يخفونه.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والذي أظهروه بألسنتهم قولهم: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} [البقرة:٣٠] والذي كانوا يكتمون ما كان منطوياً عليه إبليس من الخلاف على الله في أوامره والتكبر عن طاعته، قال: وصح ذلك كما تقول العرب: قتل الجيش وهزموا، وإنما قتل الواحد أو البعض وهزم الواحد أو البعض، فيخرج الخبر عن المهزوم منه والمقتول مخرج الخبر عن جميعهم، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ} [الحجرات:٤] ذكر أن الذي نادى إنما كان واحداً من بني تميم.

قال: وكذلك قوله: {وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة:٣٣]].