للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (فأزلهما الشيطان عنها)]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله تعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا} [البقرة:٣٦] يصح أن يكون الضمير في قوله: (عنها) عائداً إلى الجنة، فيكون معنى الكلام كما قرأ عاصم بن بهدلة وهو ابن أبي النجود: (فأزالهما) أي: فنحاهما].

وجاء في بعض الأقوال: إنها شجرة الخلد، وكان يأكل منها الملائكة فيخلدون, وهذا ليس بصحيح؛ فالملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون, وإنما هم عباد مكرمون {لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء:٢٧].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ويصح أن يكون عائداً على أقرب المذكورين وهو الشجرة، فيكون معنى الكلام كما قال الحسن وقتادة: (فأزلهما) أي: من قبل الزلل، فعلى هذا يكون تقدير الكلام: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا} [البقرة:٣٦] أي: بسببها، كما قال تعالى: {يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} [الذاريات:٩] أي: يصرف بسببه من هو مأفوك، ولهذا قال تعالى {فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} [البقرة:٣٦] أي: من اللباس والمنزل الرحب والرزق الهنيء والراحة.

{وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [البقرة:٣٦] أي: قرار وأرزاق وآجال (إلى حين) أي: إلى وقت ومقدار معين، ثم تقوم القيامة.

وقد ذكر المفسرون من السلف كـ السدي بأسانيده، وأبي العالية ووهب بن منبه وغيرهم هاهنا أخباراً إسرائيلية عن قصة الحية وإبليس، وكيف جرى من دخول إبليس إلى الجنة ووسوسته، وسنبسط ذلك إن شاء الله في سورة الأعراف، فهناك القصة أبسط منها هاهنا، والله الموفق.

وقد قال ابن أبي حاتم هاهنا: حدثنا علي بن الحسين بن إشكاب حدثنا علي بن عاصم عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق آدم رجلاً طوالاً كثير شعر الرأس كأنه نخلة سحوق، فلما ذاق الشجرة سقط عنه لباسه، فأول ما بدا منه عورته، فلما نظر إلى عورته جعل يشتد في الجنة، فأخذت شعره شجرة فنازعها، فناداه الرحمن: يا آدم! مني تفر! فلما سمع كلام الرحمن قال: يا رب! لا ولكن استحياء)].

وهذا الحديث ضعيف، ففيه عنعنة قتادة وهو مدلس، وفيه انقطاع بين الحسن وبين أبي بن كعب، فهو ضعيف، لكن المعنى صحيح، فإن الله أخبر: {فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} [الأعراف:٢٢]، فيدل على شؤم المعاصي؛ لأنهما لما عصيا الله سقط اللباس وبدت عوراتهما, وجعلا يأخذان من ورق الشجرة يستران عورتهما، فهو يدل على أن المعاصي تكشف الإنسان.

وقوله: (فأزلهما) قرأها حمزة: (فأزالهما) وقراءة حفص القراءة المشهورة، وقراءة باقي القراء: (فأزلهما الشيطان).

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وحدثني جعفر بن أحمد بن الحكم القرشي سنة أربع وخمسين ومائتين، حدثنا سليمان بن منصور بن عمار حدثنا علي بن عاصم عن سعيد عن قتادة عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما ذاق آدم من الشجرة فر هارباً فتعلقت شجرة بشعره، فنودي: يا آدم! أفراراً مني؟ قال: بل حياء منك، قال: يا آدم! اخرج من جواري فبعزتي لا يساكنني فيها من عصاني، ولو خلقت مثلك ملء الأرض خلقاً ثم عصوني لأسكنتهم دار العاصين).

هذا حديث غريب وفيه انقطاع بل إعضال بين قتادة وأبي بن كعب رضي الله عنهما].

قوله: معضل، يعني: سقط من السند اثنان، إذ بين قتادة وبين كعب اثنان، وهو أشد من المنقطع.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال الحاكم حدثنا أبو بكر بن بالويه عن محمد بن أحمد].

وفي نسخة ابن باكويه وهو خطأ، والصواب أنه محمد بن أحمد بن بالويه شيخ الحاكم.