للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[القول الثاني للمفسرين في طلب بني إسرائيل رؤية الله وتكليمه]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [القول الثاني في الآية: قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في تفسير هذه الآية: قال لهم موسى لما رجع من عند ربه بالألواح قد كتب فيها التوراة، فوجدهم يعبدون العجل، فأمرهم بقتل أنفسهم ففعلوا فتاب الله عليهم، فقال: إن هذه الألواح فيها كتاب الله فيه أمركم الذي أمركم به، ونهيكم الذي نهاكم عنه، فقالوا: ومن يأخذه بقولك أنت؟ لا والله حتى نرى الله جهرة، حتى يطلع الله علينا ويقول: هذا كتابي فخذوه، فما له لا يكلمنا كما يكلمك أنت يا موسى؟! وقرأ قول الله: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} [البقرة:٥٥]، قال: فجاءت غضبة من الله، فجاءتهم صاعقة بعد التوبة فصعقتهم فماتوا أجمعون.

قال: ثم أحياهم الله من بعد موتهم، وقرأ قول الله: {ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة:٥٦]، فقال لهم موسى: خذوا كتاب الله، فقالوا: لا، فقال: أي شيء أصابكم؟ فقالوا: أصابنا أنا متنا ثم أحيينا، قال: خذوا كتاب الله، قالوا: لا، فبعث الله ملائكة فنتقت الجبل فوقهم، وهذا السياق يدل على أنهم كُلفوا بعدما أحيوا، وقد حكى الماوردي في ذلك قولين: أحدهما: أنه سقط التكليف عنهم؛ لمعاينتهم الأمر جهرة، حتى صاروا مضطرين إلى التصديق.

والثاني: أنهم مكلفون؛ لئلا يخلو عاقل من تكليف].

الصواب: أنهم مكلفون، وهذا الصعق والموت شيء عارض، فهو ليس الموتة التي سيموتون والتي كتبت عليهم، وإنما هذا الموت بالصاعقة والرجف عقوبة ولا تمنع من التكليف، فالتكليف مستمر، فهم لما أحيوا استمر التكليف عليهم إلى موتهم، حتى يأتي كل واحد أجله الذي قدره الله له.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال القرطبي: وهذا هو الصحيح؛ لأن معاينتهم للأمور الفظيعة لا تمنع تكليفهم؛ لأن بني إسرائيل قد شاهدوا أموراً عظاماً من خوارق العادات، وهم في ذلك مكلفون، وهذا واضح.

والله أعلم].

صدق القرطبي رحمه الله، وهو كلام جيد.