للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى)]

قال الله تعالى: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [البقرة:٥٧].

قال المصنف رحمه الله: [لما ذكر تعالى ما دفعه عنهم من النقم شرع يذكرهم أيضاً بما أسبغ عليهم من النعم].

يعني: مناسبة الآية لما قبلها أنه سبحانه وتعالى بيَّن نعمه عليهم في دفع النقم، بحيث إن الله أماتهم ثم أحياهم، فقد عوقبوا بالصعق، وعوقبوا بالتيه في صحراء سيناء بين مصر وفلسطين، فلما عوقبوا بالتيه أنعم الله عليهم بنعم عظيمة وهم في شدة الحر في صحراء ليس فيها شيء، فكانت السحاب تأتيهم وتظللهم، فهذه من نعم الله عليهم، وكذلك كان ينزل عليهم المن والسلوى كما سيأتي، والمن شيء يشبه العسل، والسلوى طائر، وكذلك أيضاً كان موسى يحمل الحجر، فإذا ضربه بعصاه انفجر منه اثنا عشر عيناً، فكل قبيلة لها عين؛ حتى لا يختصموا، فهذه نعم عظيمة في التيه، وهم معاقبون بالتيه بسبب امتناعهم ورفضهم عن فتح بيت المقدس، ومع ذلك أنعم الله عليهم بهذه النعم في التيه.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [فقال: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ} وهو جمع غمامة؛ سمي بذلك لأنه يغم السماء، أي: يواريها ويسترها، وهو السحاب الأبيض، ظُللوا به في التيه ليقيهم حر الشمس، كما رواه النسائي وغيره عن ابن عباس في حديث الفتون، قال: (ثم ظلل عليهم في التيه بالغمام).

قال ابن أبي حاتم: وروي عن ابن عمر والربيع بن أنس وأبي مجلز والضحاك والسدي نحو قول ابن عباس.

وقال الحسن وقتادة: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ} كان هذا في البرية، ظلل عليهم الغمام من الشمس.

وقال ابن جرير: قال آخرون: وهو غمام أبرد من هذا وأطيب.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أبو حذيفة حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: ((وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ)) قال: ليس بالسحاب، هو الغمام الذي يأتي الله فيه يوم القيامة، ولم يكن إلا لهم.

وهكذا رواه ابن جرير عن المثنى بن إبراهيم عن أبي حذيفة، وكذا رواه الثوري وغيره عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، وكأنه يريد والله أعلم أنه ليس من زي هذا السحاب، بل أحسن منه وأطيب وأبهى منظراً، كما قال سنيد في تفسيره عن حجاج بن محمد عن ابن جريج قال: قال ابن عباس: ((وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ)) قال: غمام أبرد من هذا وأطيب، وهو الذي يأتي الله فيه، في قوله: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ} [البقرة:٢١٠].

وهو الذي جاءت فيه الملائكة يوم بدر، قال ابن عباس: وكان معهم في التيه].

ظاهر الآية أن الغمام المذكور هو السحاب المعروف، هذا هو ظاهر الآية وهو الأصل؛ لأن الله تعالى خاطب العرب بما يعرفون، فقوله: ((وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ))، وهو السحاب المعروف، وهذا السحاب إذا كان في شدة الشمس وفي شدة الحر فهو نعمة عظيمة، فيظلل ويقي من الشمس ووهجها وشدة حرارتها.