للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية)]

قال الله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ * فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [البقرة:٥٨ - ٥٩].

قال المصنف رحمه الله: [يقول تعالى لائماً لهم على نكولهم عن الجهاد، ودخولهم الأرض المقدسة لما قدموا من بلاد مصر صحبة موسى عليه السلام، فأمروا بدخول الأرض المقدسة التي هي ميراث لهم عن أبيهم إسرائيل، وقتال من فيها من العماليق الكفرة، فنكلوا عن قتالهم].

وهي بيت المقدس كما قال الله على لسان نبيه موسى: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة:٢١].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وضعفوا واستحسروا، فرماهم الله في التيه عقوبة لهم كما ذكره تعالى في سورة المائدة، ولهذا كان أصح القولين أن هذه البلدة هي بيت المقدس كما نص على ذلك السدي والربيع بن أنس وقتادة وأبو مسلم الأصفهاني وغير واحد، وقد قال الله تعالى حاكياً عن موسى: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا} [المائدة:٢١] الآيات.

وقال آخرون: هي أريحا، ويحكى عن ابن عباس وعبد الرحمن بن زيد، وهذا بعيد؛ لأنها ليست على طريقهم وهم قاصدون بيت المقدس لأريحا، وأبعد من ذلك قول من ذهب إلى أنها مصر، حكاه الرازي في تفسيره، والصحيح الأول أنها بيت المقدس، وهذا كان لما خرجوا من التيه بعد أربعين سنة مع يوشع بن نون عليه السلام].

ويوشع بن نون هو فتى موسى الذي صحبه في رحلته إلى الخضر، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ} [الكهف:٦٠] وقد صار نبياً بعد ذلك، وقاد بني إسرائيل للجهاد، ففتح بهم بيت المقدس، وهو الذي حبست له الشمس، أما موسى فمعلوم أنه مات في التيه مع بني إسرائيل.

وأما الأربعون السنة التي حرم الله عليهم فيها دخول بيت المقدس، فقد قال الله عز وجل: {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً} [المائدة:٢٦] تحريماً قدرياً، فلما تمت المدة وجاء جيل جديد، استطاع أن يفتح بيت المقدس، أما الجيل الأول الذي تربى على الجزع والهلع، وانخلعت قلوبهم من فرعون، فرفضوا ونكلوا حيث قالوا: لا يمكن أن ندخلها أبداً {َاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا} [المائدة:٢٤] يقولون ذلك لنبيهم! نسأل الله السلامة والعافية.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وفتحها الله عليهم عشية جمعة، وقد حبست لهم الشمس يومئذ قليلاً حتى أمكن الفتح].

وخبر حبس الشمس ل يوشع بن نون ثابت في الصحيحين عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.