للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم)

قال الله تعالى: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} [البقرة:٥٩].

قال المصنف رحمه الله تعالى: قال البخاري: حدثني محمد حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن ابن المبارك عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قيل لبني إسرائيل: ادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة، فدخلوا يزحفون على أستاههم فبدلوا وقالوا: حبة في شعرة).

ورواه النسائي عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم عن عبد الرحمن به موقوفاً، وعن محمد بن عبيد بن محمد عن ابن المبارك ببعضه مسنداً في قوله تعالى: ((حِطَّةٌ)) قال: فبدلوا وقالوا: حبة.

وقال عبد الرزاق: أنبأنا معمر عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله لبني إسرائيل: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ} [البقرة:٥٨] فبدلوا ودخلوا الباب يزحفون على أستاههم فقالوا حبة في شعرة)، وهذا حديث صحيح رواه البخاري عن إسحاق بن نصر ومسلم عن محمد بن رافع والترمذي عن عبد الرحمن بن حميد كلهم عن عبد الرزاق به، وقال الترمذي: حسن صحيح.

وقال محمد بن إسحاق: كان تبديلهم كما حدثني صالح بن كيسان عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة، وعمن لا أتهم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (دخلوا الباب -الذي أمروا أن يدخلوا فيه سجداً- يزحفون على أستاههم وهم يقولون: حنطة في شعيرة).

وقال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح وحدثنا سليمان بن سليمان بن داود حدثنا عبد الله بن وهب حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (قال الله لبني إسرائيل: {َادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ} [البقرة:٥٨]).

ثم قال أبو داود: حدثنا أحمد بن مسافر حدثنا ابن أبي فديك عن هشام بمثله، هكذا رواه منفرداً به في كتاب الحروف مختصراً].

أي: تبديل حرف بحرف، حطة حنطة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقال ابن مردويه: حدثنا عبد الله بن جعفر حدثنا إبراهيم بن مهدي حدثنا أحمد بن محمد بن المنذر القزاز حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان من آخر الليل أجزنا في ثنية يقال لها ذات الحنظل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما مثل هذه الثنية الليلة إلا كمثل الباب الذي قال الله لبني إسرائيل: {َادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ} [البقرة:٥٨]).

وقال سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن البراء: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ} [البقرة:١٤٢] قال اليهود: قيل لهم: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} [البقرة:٥٨] قال: ركعاً، {وَقُولُوا حِطَّةٌ} [البقرة:٥٨] أي: مغفرة، فدخلوا على أستاههم وجعلوا يقولون: حنطة حمراء فيها شعيرة، فذلك قول الله تعالى: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} [البقرة:٥٩]].

في نسخة: حبة في شعرة، وهو الأقرب.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقال الثوري عن السدي عن أبي سعيد الأزدي عن أبي الكنود عن ابن مسعود: ((وَقُولُوا حِطَّةٌ) فقالوا: حنطة، حبة حمراء فيها شعيرة، فأنزل الله: ((فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ)).

وقال أسباط عن السدي عن مرة عن ابن مسعود أنه قال: إنهم قالوا: هطا سمعاتا أزبة مزبا، فهي بالعربية: حبة حنطة حمراء مثقوبة فيها شعرة سوداء]، واللفظ باللغة العبرية، وهي لغة اليهود.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [فذلك قوله تعالى: ((فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ)).

وقال الثوري عن الأعمش عن المنهال عن سعيد عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: ((وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا)) قال: ركعاً من باب صغير، فدخلوا من قبل أستاههم وقالوا: حنطة، فذلك قوله تعالى: ((فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ)).

وهكذا روي عن عطاء ومجاهد وعكرمة والضحاك والحسن وقتادة والربيع بن أنس ويحيى بن رافع.

وحاصل ما ذكره المفسرون وما دل عليه السياق أنهم بدلوا أمر الله لهم من الخضوع بالقول والفعل، فأمروا أن يدخلوا سجداً، فدخلوا يزحفون على أستاههم من قبل أستاههم رافعي رءوسهم، وأمروا أن يقولوا حطة، أي: احطط عنا ذنوبنا وخطايانا، فاستهزءوا فقالوا: حنطة في شعيرة، وهذا في غاية ما يكون من المخالفة والمعاندة؛ ولهذا أنزل الله بهم بأسه وعذابه بفسقهم وهو خروجهم عن طاعته، ولهذا قال: {فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [البقرة:٥٩] وقال الضحاك: عن ابن عباس: كل شيء في كتاب الله من الرجز، يعني به العذاب، وهكذا روي عن مجاهد وأبي مالك والسدي والحسن وقتادة أنه العذاب، وقال أبو العالية: الرجز الغضب، وقال الشعبي: الرجز إما الطاعون وإما البرد، وقال سعيد بن جبير: هو الطاعون.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا وكيع عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن إبراهيم بن سعد يعني ابن أبي وقاص عن سعد بن مالك وأسامة بن زيد وخزيمة بن ثابت رضي الله عنهم، قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الطاعون رجز عذاب عذب به من كان قبلكم).

وهكذا رواه النسائي من حديث سفيان الثوري به، وأصل الحديث في الصحيحين من حديث حبيب بن أبي ثابت: (إذا سمعتم الطاعون بأرض فلا تدخلوها) الحديث].

والرجز هو العذاب، والطاعون نوع من العذاب، لكنه رحمة للمؤمنين وشهادة لكل مسلم كما في الحديث: (الطاعون شهادة للمسلم).

وفي الحديث الآخر: (الشهداء خمسة، وذكر: المطعون والمبطون والحريق وصاحب الهدم).

قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال ابن جرير: أخبرني يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب عن يونس عن الزهري قال أخبرني عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أسامة بن زيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن هذا الوجع والسقم رجز عذب به بعض الأمم قبلكم).

وهذا الحديث أصله مخرج في الصحيحين من حديث الزهري ومن حديث مالك عن محمد بن المنكدر وسالم بن أبي النضر عن عامر بن سعد بنحوه].

ولفظ البخاري: (الطاعون رجس أرسل على طائفة من بني إسرائيل أو على من كان قبلكم).

ولفظ مسلم: (الطاعون رجس أو عذاب).

وفي لفظ: (الطاعون آية الرجز، ابتلى الله عز وجل به ناساً من عباده).

وفي لفظ آخر: (إن هذا الوجع أو السقم رجس عذب به بعض الأمم قبلكم، ثم بقي بعد في الأرض، فيذهب المرة ويأتي الأخرى)].

وذكر الحافظ في الفتح نزول الرجس على بني إسرائيل، فمن أحب أن يستزيد فعليه به، وهي موجودة في باب: ما يذكر في الطاعون.

قال ابن حجر في الفتح: والتنصيص على بني إسرائيل أخص، فإن كان ذلك المراد فكأنه أشار بذلك إلى ما جاء في قصة بلعام، فقد أخرج الطبري من طريق سليمان التيمي أحد صغار التابعين، عن سيار أن رجلاً كان يقال له بلعام، وكان مجاب الدعوة، وأن موسى أقبل في بني إسرائيل يريد الأرض التي فيها بلعام، فأتاه قومه فقالوا: ادع الله عليهم، فقال: حتى أؤامر ربي، فمنع، والمعرو