للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [{قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ} [البقرة:٧١] أي: إنها ليست مذللة بالحراثة، ولا معدة للسقي في الساقية، بل هي مكرمة حسنة، مسلمة صحيحة لا عيب فيها، {لا شِيَةَ فِيهَا} [البقرة:٧١] أي: ليس فيها لون غير لونها.

وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة {مُسَلَّمَةٌ} [البقرة:٧١] يقول: لا عيب فيها، وكذا قال أبو العالية والربيع، وقال مجاهد: مسلمة من الشية، وقال عطاء الخراساني: مسلمة القوائم، والخلق لا شية فيها.

قال مجاهد: لا بياض ولا سواد، وقال أبو العالية والربيع والحسن وقتادة: ليس فيها بياض، وقال عطاء الخراساني: {لا شِيَةَ فِيهَا} [البقرة:٧١] قال: لونها واحد بهيم.

وروي عن عطية العوفي ووهب بن منبه وإسماعيل بن أبي خالد نحو ذلك.

وقال السدي: لا شية فيها من بياض ولا سواد ولا حمرة، وكل هذه الأقوال متقاربة في المعنى، وقد زعم بعضهم أن المعنى في ذلك قوله تعالى: {إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ} [البقرة:٧١] ليست بمذللة بالعمل، ثم استأنف فقال: {تُثِيرُ الأَرْضَ} [البقرة:٧١] أي: يعمل عليها بالحراثة؛ لكنها لا تسقي الحرث، وهذا ضعيف؛ لأنه فسر الذلول التي لم تذلل بالعمل؛ بأنها لا تثير الأرض ولا تسقي الحرث، كذا قرره القرطبي وغيره] الصواب أن معنى قوله: {لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ} [البقرة:٧١] أي: ليست مذللة بالعمل، وقوله: {تُثِيرُ الأَرْضَ} [البقرة:٧١] تفسير لقوله: {ذَلُولٌ} [البقرة:٧١]، والذلول: هي التي تثير الأرض؛ ولكن ليست تعمل عاملة، وليست سامية، لأن البقر تستعمل في الحرث، وتستعمل في استخراج الماء، فليست سامية يستخرج على ظهرها الماء، وليست مذللة للعمل، وإنما مكرمة، لا شية فيها، أي: ليس فيها لون آخر.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [{قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ} [البقرة:٧١] قال قتادة: الآن بينت لنا، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: وقيل ذلك والله قد جاءهم الحق {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة:٧١]] يعني: جاءهم الحق قبل ذلك، وجاءهم الحق فيما سبق، وجاءهم الحق فيما طلبوا.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنما: كادوا ألا يفعلوا، ولم يكن ذلك الذي أرادوا؛ لأنهم أرادوا أن لا يذبحوها، يعني أنهم مع هذا البيان وهذه الأسئلة والأجوبة والإيضاح، ما ذبحوها إلا بعد الجهد، وفي هذا ذم لهم، وذلك أنه لم يكن غرضهم إلا التعنت؛ فلهذا ما كادوا يذبحونها] قوله تعالى: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة:٧١] أي: ما كادوا يمتثلون.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقال محمد بن كعب ومحمد بن قيس: فذبحوها وما كادوا يفعلون لكثرة ثمنها، وفي هذا نظر؛ لأن كثرة الثمن لم يثبت إلا من نقل بني إسرائيل كما تقدم من حكاية أبي العالية والسدي، ورواه العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقال عبيدة ومجاهد ووهب بن منبه وأبو العالية وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: إنهم اشتروها بمال كثير، وفيه اختلاف، ثم قد قيل في ثمنها غير ذلك.

وقال عبد الرزاق: أنبأنا ابن عيينة، أخبرني محمد بن سوقة، عن عكرمة قال: ما كان ثمنها إلا ثلاثة دنانير، وهذا إسناد جيد عن عكرمة، والظاهر أنه نقله عن أهل الكتاب أيضاً.

وقال ابن جرير: وقال آخرون: لم يكادوا أن يفعلوا ذلك خوف الفضيحة، إن اطلع الله على قاتل القتيل الذي اختصموا فيه، ولم يسنده عن أحد، ثم اختار أن الصواب في ذلك أنهم لم يكادوا يفعلوا ذلك؛ لغلاء ثمنها وللفضيحة، وفي هذا نظر، بل الصواب والله أعلم ما تقدم من رواية الضحاك عن ابن عباس على ما وجهناه، وبالله التوفيق].

يعني: في تعنتاتهم، ولا مانع أن تكون للأمور كلها؛ لغلاء الثمن، وللتعنتات، لكن الأصل أنه لتعنتهم؛ ولأجل ضعف إيمانهم، ولأجل ما جبلوا عليه من الاعتراض على أنبيائهم ما كادوا يفعلون.