للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإيمان برسولٍ يستلزم الإيمان بالرسل كلهم

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأما تفسير الآية: فقوله تعالى: ((قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ)) فإنه نزل على قلبك بإذن الله، أي: من عادى جبرائيل فليعلم أنه الروح الأمين، الذي نزل بالذكر الحكيم على قلبك من الله بإذنه له في ذلك، فهو رسول من رسل الله ملكي، ومن عادى رسولاً فقد عادى جميع الرسل، كما أن من آمن برسول فإنه يلزمه الإيمان بجميع الرسل، وكما أن من كفر برسول فإنه يلزمه الكفر بجميع الرسل، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ} [النساء:١٥٠] الآيتين، فحكم عليهم بالكفر المحقق، إذا آمنوا ببعض الرسل وكفروا ببعضهم.

وكذلك من عادى جبرائيل فإنه عدو لله؛ لأن جبرائيل لا ينزل بالأمر من تلقاء نفسه، وإنما ينزل بأمر ربه، كما قال: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ} [مريم:٦٤] الآية، وقال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ} [الشعراء:١٩٢ - ١٩٤]].

فظهر من ذلك أن الرسل يؤمن بعضهم ببعض عليهم الصلاة والسلام، فالمتقدم يبشر بالمتأخر، والمتأخر يصدق بالمتقدم، كما قال الله تعالى عن عيسى: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف:٦]، فمن كفر برسول فقد كفر بجميع الرسل، ولهذا قال سبحانه: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:١٠٥]، وهو أول رسول بعثه الله إلى الأرض، فجعلهم مكذبين للرسل وقال سبحانه: {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:١٢٣] وقال: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:١٤١] وقال: {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:١٦٠] وقال أيضاً: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:١٧٦]، وكذلك الرسل من الملائكة عليهم الصلاة والسلام، من كذب برسول منهم فقد كذب بالجميع، وجبريل وميكائيل وإسرافيل هم أفضل الملائكة، وهم الموكلون بما فيه الحياة، فجبريل موكل بالوحي، والوحي فيه حياة القلوب والأرواح، وميكائيل موكل بالقطر، والقطر فيه حياة أبدان الآدميين والحيوانات، وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور، وفيه إعادة الأرواح إلى أبدانها.

وأفضلهم جبريل عليه الصلاة والسلام، وهو ملك الوحي، ولما كان هؤلاء الملائكة الثلاثة موكلين بما فيه الحياة، توسل النبي صلى الله عليه وسلم بربوبية الله لهؤلاء الملائكة الثلاثة في حديث الاستفتاح في صلاة الليل، فقد ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل استفتح بهذا الاستفتاح: اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم).

فمن كذب برسول ملكي أو رسول بشري فهو كافر بالجميع، نسأل الله السلامة والعافية.