للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضلها]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر ما ورد في فضل الفاتحة.

قال الإمام أحمد بن محمد بن حنبل رحمه الله تعالى في مسنده: حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة حدثني خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه قال: (كنت أصلي فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه حتى صليت، قال: فأتيته فقال: ما منعك أن تأتيني؟ قال: قلت: يا رسول الله إني كنت أصلي، قال: ألم يقل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال:٢٤]، ثم قال: لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد، قال: فأخذ بيدي فلما أراد أن يخرج من المسجد، قلت: يا رسول الله! إنك قلت: لأعلمنك أعظم سورة في القرآن، قال: نعم {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته)، وهكذا رواه البخاري عن مسدد وعلي بن المديني كلاهما عن يحيى بن سعيد القطان به، ورواه في موضع آخر من التفسير، وأبو داود والنسائي وابن ماجة من طرق عن شعبة به].

هذا صريح في أن الفاتحة أعظم سورة في القرآن، وأعظم آية هي آية الكرسي.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ورواه الواقدي عن محمد بن معاذ الأنصاري عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي سعيد بن المعلى عن أبي بن كعب فذكر نحوه.

وقد وقع في الموطأ للإمام مالك بن أنس رحمه الله ما ينبغي التنبيه عليه، فإنه رواه مالك عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي أن أبا سعيد مولى ابن عامر بن كريز أخبرهم: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى أبي بن كعب وهو يصلي في المسجد، فلما فرغ من صلاته لحقه، قال: فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على يدي، وهو يريد أن يخرج من باب المسجد، ثم قال صلى الله عليه وسلم: إني لأرجو ألا تخرج من باب المسجد حتى تعلم سورة ما أنزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن مثلها، قال أبي رضي الله عنه: فجعلت أبطيء في المشي رجاء ذلك، ثم قلت: يا رسول الله! ما السورة التي وعدتني؟ قال: كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة؟ قال: فقرأت عليه: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) [الفاتحة:٢] حتى أتيت على آخرها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي هذه السورة، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيت)، فـ أبو سعيد هذا ليس بـ أبي سعيد بن المعلى كما اعتقده ابن الأثير في جامع الأصول ومن تبعه، فإن ابن المعلى صحابي أنصاري، وهذا تابعي من موالي خزاعة، وذاك الحديث متصل صحيح، وهذا ظاهره أنه منقطع إن لم يكن سمعه أبو سعيد هذا من أبي بن كعب، فإن كان قد سمعه منه فهو على شرط مسلم والله أعلم، على أنه قد روي عن أبي بن كعب من غير وجه، كما قال الإمام أحمد: حدثنا عفان حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم حدثنا العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي بن كعب وهو يصلي، فقال: يا أبي! فالتفت ثم لم يجبه، ثم قال أبي: فخفف أبي، ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: السلام عليك أي رسول الله! فقال: وعليك السلام، ما منعك أي أبي إذ دعوتك أن تجيبني؟ فقال: أي رسول الله! كنت في الصلاة، قال: أولست تجد فيما أوحى الله تعالى إلي: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال:٢٤]، قال: بلى يا رسول الله! لا أعود، قال: أتحب أن أعلمك سورة لم تنزل لا في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها؟ قلت: نعم أي رسول الله! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأرجو ألا أخرج من هذا الباب حتى تعلمها، قال: فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي يحدثني وأنا أتبطأ مخافة أن يبلغ قبل أن يقضي الحديث، فلما دنونا من الباب قلت: أي رسول الله! ما السورة التي وعدتني؟ قال: ما تقرأ في الصلاة؟ قال: فقرأت عليه أم القرآن، قال: والذي نفسي بيده ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها إنها السبع المثاني)].

وما بلغت هذه السورة هذه المنزلة إلا لما اشتملت عليه من الإلهيات، وإثبات النبوة، والتوحيد والمعاد، وإخلاص العبادة لله عز وجل، والرد على أهل البدع، وتقسيم الناس إلى الذين أنعم الله عليهم، والمغضوب عليهم، والضالين.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ورواه الترمذي عن قتيبة عن الدراوردي عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه فذكره، وعنده: (أنها من السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيته)، ثم قال: هذا حديث حسن صحيح].

المعروف في الأحاديث: (أنها السبع المثاني) ولعل (من) زائدة.

وفي الحديث السابق: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (ألم يقل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال:٢٤])، ففيه دليل على إجابة الرسول صلى الله عليه وسلم ولو في الصلاة، وهذا مستثنى بنص الآية.

وكذلك إذا كان في صلاة النفل ودعاه والداه أو أحدهما وكان يعلم أنهما لا يغضبان ولا يتأثران بذلك فيكمل صلاته، وأما إذا كان يعلم أنهما يتأثران فيجيبهما ويقطع الصلاة؛ لأنها صلاة نفل وإجابة الوالدين واجبة، وأما الفريضة فلا.

ومعروف قصة جريج كما في الصحيحين: (كان جريج راهباً عابداً في صومعة، فجاءت أمه تناديه، فقال: رب! أمي وصلاتي، فلم يجبها، ثم جاءت مرة أخرى ونادت: يا جريج! فقال: رب! أمي وصلاتي، فاشتغل بالصلاة وقدم الصلاة ولم يجبها، ثم نادت في الثالثة قالت: يا جريج! قال: رب! أمي وصلاتي، فلم يجبها، فدعت عليه قالت: اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات -يعني: الزانيات والعياذ بالله-، فاستجاب الله دعاء أمه، فجاءت امرأة بغي حول صومعته ومكنت نفسها من راعي غنم حتى حملت، فلما ولدت جاءوا إليها، فقالت: إنه ابن جريج، فجاءوا وأنزلوه من صومعته وهدموا صومعته، قال: ما شأنكم؟ قالوا: زنيت بهذه البغي وجاءت بهذا الولد منك، قال: أين الغلام؟ فأتوا بالغلام، فتوضأ وصلى ثم طعن في بطن الغلام بأصبعه وقال: يا غلام من أبوك؟ فقال: فلان الراعي، فاعتذروا إليه وقالوا: نبني صومعتك من ذهب، فقال: لا، أعيدوها كما كانت من طين)، فالمقصود أن الله استجاب دعوة أمه، فنظر إلى وجه المومسة المرأة البغي هذه، وهذا يدل على أن حق الوالد عظيم وأنه لا ينبغي أن يفرط فيه.

وإجابة الرسول عليه الصلاة والسلام أولى من إجابة الوالد؛ لأن الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال:٢٤].

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفي الباب عن أنس بن مالك، ورواه عبد الله بن الإمام أحمد عن إسماعيل بن أبي معمر عن أبي أسامة عن عبد الحميد بن جعفر عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن أبي بن كعب رضي الله عنه فذكره مطولاً بنحوه أو قريباً منه، وقد رواه الترمذي والنسائي جميعاً عن أبي عمار حسين بن حريث عن الفضل بن موسى عن عبد الحميد بن جعفر عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن، وهي السبع المثاني، وهي مقسومة بيني وبين عبدي نصفين)، هذا لفظ النسائي، وقال الترمذي: حديث حسن غريب].

ومعنى كونها نصفين أن نصفها الأول ثناء، ونصفها الأخير دعاء وسؤال، فنصفها الأول لله ونصفها الثاني للعبد.