للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معنى المُهل

قال المؤلف رحمه الله: [قوله: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف:٢٩].

قال ابن عباس: المهل: الماء الغليظ مثل دردي الزيت].

يعني: أنه ثخين مثله.

قال المؤلف رحمه الله: [وقال مجاهد: هو كالدم والقيح, وقال عكرمة: هو الشيء الذي انتهى حره، وقال آخرون: هو كل شيء أذيب، وقال قتادة: أذاب ابن مسعود شيئاً من الذهب في أخدود فلما انماع وأزبد قال: هذا أشبه شيء بالمهل، وقال الضحاك: ماء جهنم أسود, وهي سوداء, وأهلها سود].

فهو كالشيء الأسود الثخين -نسأل الله السلامة- وإذا استغاث أهل النار -والعياذ بالله- يغاثوا بماء كالمهل, أي: بماء أسود ثخين كالعكر من الزيت نسأل الله السلامة والعافية.

قال المؤلف رحمه الله: [وهذه الأقوال ليس شيء منها ينفي الآخر فإن المهل يجمع هذه الأوصاف الرديئة كلها، فهو أسود منتن غليظ حار، ولهذا قال: {يَشْوِي الْوُجُوهَ} [الكهف:٢٩]، أي من حره إذا أراد الكافر أن يشربه وقربه من وجهه شواه, وحتى يسقط جلد وجهه فيه].

فهو أسود ثخين ذائب حار وغليظ منتن الرائحة, والعياذ بالله.

ومن شدة حرارته أنه إذا قربه إلى وجهه سقط لحم وجهه، والعياذ بالله نسأل الله السلامة والعافية.

قال المؤلف رحمه الله: [كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد بإسناده المتقدم في سرادق النار عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ماء كالمهل, قال: كعكر الزيت فإذا قربه إليه سقطت فروة وجهه فيه) وهكذا رواه الترمذي في صفة النار من جامعه من حديث رشيدين بن سعد].

ورشدين ضعيف.

قال: [عن عمرو بن الحارث عن دراج به ثم قال: لا نعرفه إلا من حديث رشدين، وقد تكلم فيه من قبل حفظة هكذا].

يعني: أنه ضعيف، سيء الحفظ.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال: وقد رواه الإمام أحمد كما تقدم، عن حسن الأشيب عن ابن لهيعة عن دراج والله أعلم.

وقال عبد الله بن المبارك وبقية بن الوليد عن صفوان بن عمرو عن عبد الله بن بشر عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ} [إبراهيم:١٦ - ١٧] قال: (يقرب إليه فيتكرهه, فإذا قرب منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه, فإذا شربه قطع أمعائه يقول الله تعالى: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ} [الكهف:٢٩]).

وقال سعيد بن جبير: إذا جاع أهل النار استغاثوا فأغيثوا بشجرة الزقوم فأكلوا منها فاختلبت جلود وجوههم, فلو أن ماراً مر بهم يعرفهم لعرف جلود وجوههم فيها ثم يصب عليهم العطش فيستغيثون فيغاثون بماء كالمهل].

الأقرب: أنها يسلط عليهم العطش فيستغيثون, يعني: يبتلون بالعطش فإذا ابتلوا بالعطش استغاثوا, فيغاثون بهذا الماء، والعياذ بالله.

وفي تعليق للشيخ عبد الرحمن السعدي في قوله تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:٢٩] قال: هذه الآية فيها تهديد ووعيد, والأمر للتهديد.

فالأمر يأتي لعدة معان, ومنها التهديد، كما في هذه الآية: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} [الكهف:٢٩].

أي: أن الحق واضح {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:٢٩] والله تعالى قد بين للإنسان طريق الخير وطريق الشر, فمن آمن فله الجنة والكرامة, ومن كفر فله النار والإهانة، والعياذ بالله.

قوله: (فاختلبت جلود وجوههم) وفي نسخة أخرى: فاجتثت جلود وجوههم وهو الأقرب.

وقول ابن جبير: (ثم يصب عليهم) بمعنى: يسلط عليهم العطش.

واجتثت: من الاجتثاث وهو: السقوط يعني: سقطت جلود وجوههم.

قال المؤلف رحمه الله: [ثم يصب عليهم العطش فيستغيثون فيغاثون بماء كالمهل وهو الذي قد انتهى حره فإذا أدنوه من أفواههم اشتوى من حره، لحوم وجوههم التي قد سقطت عنها الجلود.

ولهذا قال تعالى بعد وصفه هذا الشراب بهذه الصفات الذميمة القبيحة: {بِئْسَ الشَّرَابُ} [الكهف:٢٩]، أي: بئس هذا الشراب كما قال في الآية الأخرى: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد:١٥] وقال تعالى: {تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ} [الغاشية:٥]، أي: حارة كما قال: {وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [الرحمن:٤٤] {وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف:٢٩]، أي: ساءت النار منزلاً ومقيلاً ومجتمعاً وموضعاً للارتفاق كما قالت الآية الأخرى: {إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} [الفرقان:٦٦]].

وهذا بسبب كفرهم، والعياذ بالله؛ لأنهم جحدوا توحيد الله, وصرفوا محض حقه الذي لا يستحقه غيره إلى مخلوق ضعيف فوقعوا في أظلم الظلم, وأقبح القبيح, وعدلوا غير الله بالله, وماتوا على الشرك، وعلى الكفر فكان جزاؤهم النار نسأل الله السلامة والعافية لأن من مات على الكفر لا حيلة تنفعه.

كما قال تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر:٤٨].