للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[القصاص يوم القيامة]

قال المؤلف رحمه الله: [وعن شعبة عن العوام عن مزاحم عن أبي عثمان عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الجماء لتقتص من القرناء يوم القيامة)].

والجماء هي: الدابة التي ليس لها قرن من المعز أو من الضأن، فإذا اعتدت دابة لها قرن على دابة أخرى ليس لها قرن ونطحتها؛ فإنهما تبعثان يوم القيامة، فتقتص الجماء التي ليس لها قرن من القرناء التي نطحتها في الدنيا، وتأخذ حقها منها وتنطحها كما نطحتها في الدنيا، فإذا اقتصت منها قال الله لها: كوني تراباً.

فلا جنة ولا نار للحيوانات، ولهذا فإن الكافر إذا رأى أن الدواب يقال لها: (كوني تراباً) يتمنى أن يكون تراباً، كما قال تعالى: {إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} [النبأ:٤٠].

فالجماء التي لا قرن لها تقتص من القرناء التي لها قرن، وهذا من كمال عدل الله سبحانه وتعالى.

وقول المؤلف: [وعن شعبة عن العوام عن مزاجم] الأقرب أنه: مراجم.

قال المؤلف رحمه الله: [رواه عبد الله بن الإمام أحمد، وله شواهد من وجوه أخر، وقد ذكرناها عند قوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء:٤٧]، وعند قوله تعالى: {إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام:٣٨]].

وحديث عبد الله بن أنيس في القصاص في سنده عبد الله بن محمد بن عقيل، وهو سيء الحفظ، ولكن له شواهد، وذكر ابن القيم أن الجهمية وأهل الكلام طعنوا في الحديث وقالوا: هذا الحديث ضعيف، وفيه عبد الله بن عقيل، وقصدهم بذلك أن ينكروا إثبات الصوت لله، وإنكار كلام الله؛ لأن الحديث فيه: (ينادي بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب).

فأهل البدع يقولون: إن الله لا يتكلم، وينكرون كلام الله، وينكرون إثبات الصوت له سبحانه وتعالى، فقالوا: إن هذا الحديث ضعيف؛ لأن في سنده عبد الله بن عقيل، وهو لا يحتج به.

وقد رد عليهم ابن القيم في (الصواعق) وقال: إن هذه علة باردة تعلل بها البدع.

فقولهم: إن عبد الله بن محمد بن عقيل ضعيف قول مسلم به، ولكن إنما يرد حديثه إذا خالف الثقات، وهو هنا قد وافق الثقات ولم يخالفهم؛ فالصوت ثابت لله في أحاديث كثيرة وفي نصوص كثيرة، ثم إن هذا الحديث له شواهد، وعبد الله بن محمد بن عقيل سيء الحفظ، ولكن لا يرد حديثه إلا إذا خالف الثقات، وهو هنا قد وافقهم، فدل هذا على أنه قد ضبط هذا الحديث، وأنه لم يخطئ.