للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تواضع موسى عليه السلام وصبره على طلب العلم]

قال: [({قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} [الكهف:٦٧]، يا موسى! إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت، وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه، فقال موسى: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} [الكهف:٦٩]، قال له الخضر: {فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} [الكهف:٧٠])].

وهذا فيه تواضع موسى عليه الصلاة والسلام، حيث قال: (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا) ولا شك في أن موسى أفضل من الخضر؛ لأن موسى من أولي العزم من الرسل، أما الخضر فمختلف في نبوته، فقيل: عبد صالح، وقيل: نبي، والصواب أنه نبي، كما جاء في الحديث أنه قال: (أنا على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه، وأنت على علم من علم الله علمكه لا أعلمه) يعني: كل واحد منا عنده علم، وفيه دليل على أنه قد يكون عند المفضول ما ليس عند الفاضل، فالخضر كان عنده علم لا يعلمه موسى، فدل ذلك على أن العلم مشترك، وقد يكون عند الصغير ما ليس عند الكبير، وقد يكون عند التلميذ ما ليس عند الشيخ، فينبغي للإنسان أن يأخذ العلم من كل أحد، ممن فوقه وممن دونه وممن هو مماثل، ولهذا قال العلماء: لا ينبل الإنسان حتى يأخذ العلم ممن فوقه وممن دونه وممن هو مماثل له.

وهناك رواية الأصاغر عن الأكابر، كما هو معلوم في مصطلح الحديث، وكذلك رواية الآباء عن الأبناء، فقد يستفيد الأب من ابنه، وقد يستفيد الشيخ من تلميذه، فهذا موسى عليه السلام استفاد من الخضر لما كان عنده علم لا يعلمه موسى.

وفيه أن الله تعالى عتب على موسى إذ لم يرد العلم إليه، فلما سئل: من أعلم أهل الأرض؟ فقال: أنا.

وفيه أن النبي قد يغلط وقد يخطئ وقد يعتب الله عليه، ولا يقره على الخطأ.

وفيه التواضع في طلب العلم.

وفيه أنه لابد من الصبر، ولذا قال الخضر لموسى: إنك لا تستطيع أن تصبر، فأجابه: (سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا).

وفيه تعليق الأمر بمشيئة الله في قوله: (سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ)، وكما في الآية: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف:٢٣ - ٢٤]، فعليك بتفويض الأمر إلى الله عز وجل.

وفيه سعة علم الله عز وجل.