للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين)]

قال الله تعالى: {وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا} [الكهف:٨٠ - ٨١].

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قد تقدم أن هذا الغلام كان اسمه جيسور، وفي هذا الحديث عن ابن عباس عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الغلام الذي قتله الخضر طبع يوم طبع كافراً) رواه ابن جرير من حديث ابن إسحاق عن سعيد عن ابن عباس به، ولهذا قال: {فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا} أي: يحملهما حبه على متابعته على الكفر.

قال قتادة: قد فرح به أبواه حين ولد، وحزنا عليه حين قتل، ولو بقي كان فيه هلاكهما، فليرض امرؤ بقضاء الله؛ فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره خير له من قضائه فيما يحب].

لا شك في ذلك، ففي الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له)، فالمؤمن كل أمره له خير في السراء والضراء، فهو في السراء شاكر وفي الضراء صابر، والشاكر مثاب والصابر مثاب، والمؤمن يتقلب بين السراء وبين الضراء وبين التوبة من الذنب، وهذا عنوان السعادة، فعنوان السعادة الشكر عند السراء والصبر عند الضراء والتوبة عند الذنب، والإنسان يتقلب بين هذه الأحوال الثلاثة، فهو إما في نعمة، فلابد لها من الشكر، وإما في مصيبة، فلابد لها من الصبر، وإما في ذنب، فلابد له من توبة.

فإذا كان وقع في الذنب تاب وبادر بالتوبة ولم يصر على المعصية، وهذه علامة المستقيم، قال الله تعالى في وصف المتقين: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} [آل عمران:١٣٥]، وليس من شأن المؤمن أنه لا يخطئ، فالمؤمن يقع في الذنب، وليس بمعصوم، لكن لا يصر على المعصية، قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:١٣٥ - ١٣٦]، فالمؤمن إما في ذنب فيحتاج إلى التوبة، وإما في مصيبة فيحتاج إلى صبر، وإما في نعمة فيحتاج إلى شكر، فإذا كان المسلم يصبر عند الضراء، ولا يجزع ولا يتسخط، ولا يتكلم بلسانه ما يغضب الله، ولا يعمل بجوارحه ما يغضب الله، كشق الثوب ولطم الخد ونتف الشعر، بل يصبر ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ويشكر عند النعمة، ويتوب عند المعصية والذنب، فهذه علامة السعادة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وصح في الحديث: (لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيراً له)، وقال تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة:٢١٦].

وقوله تعالى: {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا}، أي: ولداً أزكى من هذا وهما أرحم به منه، قاله ابن جريج.

وقال قتادة: أبر بوالديه.

وقد تقدم أنهما بدلا جارية، وقيل: لما قتله الخضر كانت أمه حاملاً بغلام مسلم، قاله ابن جريج].