للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر خبر يوشع بن نون بعد لقي الخضر]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن قيل: فما بال فتى موسى ذكر في أول القصة ثم لم يذكر بعد ذلك؟ فالجواب أن المقصود بالسياق إنما هو قصة موسى مع الخضر، وذكر ما كان بينهما، وفتى موسى معه تبع، وقد صرح في الأحاديث المتقدمة في الصحاح وغيرها أنه يوشع بن نون وهو الذي كان يلي بني إسرائيل بعد موسى عليهما السلام].

ويوشع بن نون نبي، وهو الذي فتح بيت المقدس، ودخل بيت المقدس بعد وفاة موسى عليه الصلاة والسلام، فموسى توفي في التيه وسط صحراء سيناء التي بين مصر وفلسطين، والله تعالى عاقب بني إسرائيل بالتيه، وحرم عليهم دخول البلد؛ لأنهم امتنعوا ورفضوا أمر الله لما طلب منهم موسى أن يذهبوا معه وليقاتلوا الجبابرة ويفتحوا بيت المقدس، وأخبرهم بأن الله وعد بالفتح، فرفضوا ذلك وقالوا: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة:٢٤]، فالله تعالى عاقبهم فقال: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً} [المائدة:٢٦]، وهذا تحريم قدري، إذ إن التحريم ينقسم إلى قسمين: تحريم قدري وتحريم شرعي، فالتحريم الكوني القدري مثل قوله سبحانه وتعالى: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً} [المائدة:٢٦]، ومثل قوله: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ} [القصص:١٢]، فهذا تحريم قدري، يعني: لا يقبل ثدي امرأة إلا ثدي أمه.

والنوع الثاني: تحريم شرعي، مثل قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة:٣]، وقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء:٢٣] فهذا تحريم شرعي، والتحريم الأول تحريم قدري، والمعنى أن الله منعهم، فقال: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً} [المائدة:٢٦]، فصاروا كلما مشوا رجعوا إلى مكانهم لا يهتدون إلى البلد أربعين سنة، حتى ماتوا في التيه، ومات معهم موسى عليه الصلاة السلام.

ثم بعد ذلك ولي الأمر يوشع بن نون فتاه الذي ذهب معه إلى البحر، وصار نبياً، وفتح بهم بيت المقدس، وحبست له الشمس؛ لأنه كاد أن يفتح المدينة قبيل غروب الشمس ليلة السبت، وكان في شريعتهم أن يوم السبت ليس فيه قتال، فنادى يوشع الشمس وقال: أنت مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علينا، فحبسها الله، فوقفت حتى تم الفتح قبل غروب الشمس، ثم دخل المدينة، ولم تحبس الشمس لأحد إلا ليوشع بن نون.

وجاء في أحاديث ضعيفة أنها حبست لـ علي، وثبت أنها من موضوعات الشيعة، وأنها حبست لنبينا صلى الله عليه وسلم، وهذا لم يثبت.

والصواب أن الشمس ما حبست إلا ليوشع بن نون حتى تم الفتح، وهذا ثابت في الحديث الصحيح.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهذا يدل على ضعف ما أورده ابن جرير في تفسيره حيث قال: حدثنا ابن حميد حدثنا سلمة حدثني ابن إسحاق عن الحسن بن عمارة عن أبيه عن عكرمة قال: قيل لـ ابن عباس: لم نسمع لفتى موسى بذكر حديث، وقد كان معه؟ قال ابن عباس فيما يذكر من حديث الفتى قال: شرب الفتى من الماء فخلد، فأخذه العالم فطابق به سفينة ثم أرسله في البحر، فإنها لتموج به إلى يوم القيامة؛ وذلك أنه لم يكن له أن يشرب منه فشرب.

وإسناده ضعيف، والحسن متروك، وأبوه غير معروف].

قلت: المتروك هو المتهم بالكذب، وعلى هذا فيكون الحديث ضعيفاً جداً، فيه عنعنة ابن إسحاق، فالحديث ضعيف جداً ولا يصلح لأن يتقوى بالمتابعة، ثم لو صح السند لكان شاذاً؛ لأنه مخالف للحديث الصحيح الذي فيه أنه كان نبي بني إسرائيل، وأنه فتح بيت المقدس، فكيف يقال: إنه في سفينة في البحر تموج به إلى يوم القيامة؟! فلو صح السند واستقام مثل الشمس فإنه يكون شاذاً؛ لمخالفته للحديث الصحيح.