للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً)

قال تعالى: {وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا} [مريم:٣٢].

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: {وَبَرًّا بِوَالِدَتِي} [مريم:٣٢] أي وأمرني ببر والدتي ذكره بعد طاعة ربه؛ لأن الله تعالى كثيراً ما يقرن بين الأمر بعبادته وطاعة الوالدين كما قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء:٢٣] وقال: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان:١٤].

وقوله: {وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا} [مريم:٣٢] أي: ولم يجعلني جباراً مستكبراً عن عبادته وطاعته وبر والدتي فأشقى بذلك.

وقال سفيان الثوري: الجبار الشقي الذي يقبل على الغضب -وفي نسخة يقتل- وقال بعض السلف: لا تجد أحداً عاقاً لوالديه إلا وجدته جباراً شقياً ثم قرأ: {وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا} [مريم:٣٢] قال: ولا تجد سيئ الملكة إلا وجدته مختالاً فخوراً ثم قرأ: {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [النساء:٣٦]].

وفي الحاشية قال: سيئ الملكة: الذي يسيء إلى صحبه ومماليكه، يقال: وهو سيئ الملكة والملك، وحسن الملكة والملك.

قال: [قال قتادة: ذكر لنا أن امرأة رأت ابن مريم يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص في آيات سلطه الله عليهن وأذن له فيهن فقالت: طوبى للبطن الذي حملك، وطوبى للثدي الذي أرضعت به، فقال نبي الله عيسى عليه السلام يجيبها: طوبى لمن تلا كلام الله فاتبع ما فيه ولم يكن جباراً شقياً].

وهذه من الآيات التي أوتيها عيسى عليه السلام، أنه يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله، وذلك أن الله سبحانه وتعالى أعطى كل نبي من الآيات والمعجزات ما هو من جنس ما تفوق به قومه، وكان الناس في زمن عيسى تفوقوا في الطب وبلغوا فيه شأواً بعيداً، فأعطاه الله من الآيات أنه يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى، فعرفوا أن هذا من الله، يحيي الموتى يعني: كما قال الله: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي} [المائدة:١١٠].

تخلق يعني: تصور من الطين على شكل طير ثم ينفخ فيه فيحييه الله، فعيسى منه التصوير والتغيير والنفخ والإحياء من الله.

وكذلك يبرئ الأكمه، والأكمه هو الذي لم يشق له عين، ثم يبرئه عيسى بإذن الله فيكون مبصراً، وكذلك يبرئ الأبرص، وهذه من الآيات التي أوتيها، ولما كان الناس في زمن موسى عليه السلام بلغوا في السحر شأواً بعيداً، أعطى الله موسى العصا وفاق به ما عند السحرة حتى إذا وضعها صارت حيه تسعى، وإذا أخذها عادت عصا.

ولما جمع السحرة من أجل المناظرة، جمعوا الحبال والعصي وجعلوا فيها الزئبق فكانت تتلوى كأنها حيات وامتلأ الوادي، وأوجس في نفسه خيفة موسى قال الله له: لا تخف وألق ما في يدك، فوضع العصا فصارت حية عظيمة وابتلعت جميع ما في الوادي، فعند ذلك خر السحرة سجداً لله وآمنوا بالله، قالوا: {آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} [الأعراف:١٢١ - ١٢٢] وأن هذا ليس من صنع البشر وإنما هو من عند الله.