للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وهل أتاك حديث موسى)]

قال الله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى} [طه:٩ - ١٠].

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [من هنا شرع تبارك وتعالى في ذكر قصة موسى، وكيف كان ابتداء الوحي إليه وتكليمه إياه، وذلك بعدما قضى موسى الأجل الذي كان بينه وبين صهره في رعاية الغنم، وسار بأهله قيل: قاصداً بلاد مصر بعدما طالت الغيبة عنها أكثر من عشر سنين، ومعه زوجته، فأضل الطريق وكانت ليلة شاتية، ونزل منزلاً بين شعاب وجبال في برد وشتاء وسحاب وظلام وضباب، وجعل يقدح بزند معه ليوري ناراً كما جرت له العادة به، فجعل لا يقدح شيئاً ولا يخرج منه شرر ولا شيء، فبينما هو كذلك إذ آنس من جانب الطور نارًا، أي ظهرت له نار من جانب الجبل الذي هناك عن يمينه، فقال لأهله يبشرهم: {إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ} [طه:١٠] أي شهاب من نار وفي الآية الأخرى: {أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ} [القصص:٢٩] وهي الجمر الذي معه لهب.

{لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} [النمل:٧] دل على وجود البرد.

وقوله: {بِقَبَسٍ} [طه:١٠] دل على وجود الظلام.

وقوله: {أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى} [طه:١٠] أي: من يهديني الطريق].

وهذه من حكمة الله عز وجل أن جعل سيره في هذا الوقت من الظلام والضباب والسحاب، وكان يقدح بزند معه ولا يخرج منه شرر ولا شيء، وضل الطريق، فهو بحاجة الآن إلى النار وإلى من يدله على الطريق، وبينما هو في هذه الحالة رأى ناراً بجانب الجبل، فقال لأهله: {امْكُثُوا} [طه:١٠] أي: اجلسوا ههنا في مكانكم، فإني رأيت ناراً عند الجبل حتى أذهب إليها: {لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ} [طه:١٠] أي: قطعة من النار، لعلكم تستدفئون بها من البرد، ولعلي أجد حولها من يدلنا على الطريق، فلما وصل إليها كلمه الله، وأرسله، وكان هذا أول بدء النبوة.

قال المؤلف رحمه الله: [وقوله: {أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى} [طه:١٠] أي من يهديني الطريق، دل على أنه قد تاه عن الطريق، كما قال الثوري عن أبي سعد الأعور عن عكرمة عن ابن عباس في قوله: {أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى} [طه:١٠] قال: من يهديني إلى الطريق، وكانوا شاتين وضلوا الطريق، فلما رأى النار قال: إن لم أجد أحدًا يهديني إلى الطريق أتيتكم بنار توقدون بها.

{فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي * إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى * فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى} [طه:١١ - ١٦].