للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها)]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: {فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى} [طه:١٦] المراد بهذا الخطاب: آحاد المكلفين، أي: لا تتبعوا سبيل من كذب بالساعة، وأقبل على ملاذه في دنياه، وعصى مولاه، واتبع هواه، فمن وافقهم على ذلك فقد خاب وخسر: {فَتَرْدَى} [طه:١٦] أي: تهلك وتعطب، قال الله تعالى: {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى} [الليل:١١]].

في هذه الآيات الكريمات يبين تعالى أنه كلم موسى، وبين له التوحيد الذي هو أول واجب على العبد، وأمره بعبادته فقال: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه:١٤]، ثم ثنى بالأمر بإقامة الصلاة؛ لأنها أعظم العبادات البدنية، وهي داخلة في قوله سبحانه: {فَاعْبُدْنِي} [طه:١٤] لكنه خص الصلاة لعظم شأنها، والصلاة صلة بين العبد وبين ربه: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه:١٤] ثم بين له وأخبره أنه لا بد من الإيمان بالساعة والقيامة، وأنه لا يعلم وقت قيامها إلا الله، وأن الله قد أخفاها عن الخلق، وأنه لا بد من قيام الساعة، ولا بد من إتيانها {لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} [طه:١٥] والجزاء لا بد له من يوم القيامة، والقيامة: هي: البعث، والجزاء ثابت بالشرع وبالفطرة وبالعقل؛ لأنه في هذه الدنيا يختلط البر بالفاجر، والمؤمن بالكافر، والعاصي بالمطيع، وهناك الظالم، وهناك العابد، وهناك المشرك، وهناك الكافر، وهناك من يظلم نفسه بالشرك، وهناك من يظلم غيره بالاعتداء على دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وهناك من يظلم نفسه بالمعاصي، فلا يمكن أن يترك الناس سدى لا يؤمرون ولا ينهون في الدنيا، ولا يثابون ولا يعوضون في الآخرة، لا بد من قيام الساعة حتى تجزى كل نفس بسعيها وعملها {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} [طه:١٥] ثم قال سبحانه: {فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى} [طه:١٦] المراد: أحاد الناس الذين اتبعوا أهواءهم وشهواتهم، ولم يؤمنوا بالساعة والبعث اتباعاً للهوى فهلكوا بذلك؛ ولهذا قال: {فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى} [طه:١٦].